تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

في ناقض الإيمان القولي: سب الله عزّ وجلّ

ـ[آل عياش]ــــــــ[15 - 02 - 08, 04:34 م]ـ

نحن جماعةٌ من طلبة العلم، نسأل عن أمر عظيم يكثر فيه الجدال عندنا، ألا وهو مسألة سبّ الله عزّ وجلّ -والعياذ بالله- وقبل السؤال نطرح عليكم هذه المقدّمة:

هذا الجرم العظيم منتشرٌ عندنا بكثرة منذ زمن بعيد حيث شبّ عليه الصغير، وشاب عليه الكبير، وهَرِمَ عليه الشيخ -إلاّ من رحم ربي- فعموم الناس إذا ما وقع بينهم شجار يتلفّظون بألفاظ فيها سبّ لله بل منها ما هو أشدّ من سبّ الله عزّ وجلّ حتى ممّن هم مواظبون على الصلاة, وإذا سكن عنهم الغضب وسئلوا صرحوا بأنهم نادمون عمَّا قالوا، وأنهم ما كانوا يقصدون سبّ الله عزّ وجلّ، ولكنهم تربّوا على هذه الألفاظ منذ الصغر.

فنرجو منكم تفصيلاً شافيًا عن حكم سبّ الله عزّ وجلّ, وعن حكم هؤلاء الناس الذين يقولون: لم نكن نقصد سبّ الله عزّ وجلّ. وبارك الله فيكم.

الجواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:

فالسبُّ شتمٌ، وهو كلّ قبيح يستلزم الإهانةَ ويقتضي النَّقص، وضابطُهُ العُرْفُ، فما عَدَّه أهلُ العرف سَبًّا وانتقاصًا أو عيبًا أو طَعْنًا ونحو ذلك فهو من السَّبِّ، وحُكم ساب الله تعالى طوعًا من غير كره كافرٌ مرتدٌّ قولاً واحدًا لأهل العلم لا اختلاف فيه، سواء كان جادًَّا أو مازحًا، وهو من أقبح المكفرات القولية التي تناقض الإيمان، ويكفر ظاهرًا وباطنًا عند أهل السُّنَّة القائلين بأنّ الإيمان قول وعمل، وقد نقل ابن عبد البر المالكي في «التمهيد» عن إسحاق بن راهويه قولَه: «قد أجمع العلماءُ على أنَّ مَنْ سَبَّ اللهَ عزّ وجلَّ، أو سبَّ رسولَه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم، أو دَفَعَ شيئًا أنزله اللهُ، أو قتل نبيًّا من أنبياء اللهِ، وهو مع ذلك مُقِرٌّ بما أنزل اللهُ أنه كافر» (1 - «التمهيد» لابن عبد البر: (4/ 226) (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_1'))).

وقال القاضي عياض المالكي: «لا خلاف أنّ سابّ الله تعالى من المسلمين كافر حلال الدم، واختلفوا في استتابته» (2 - «الشفا» للقاضي عياض: (2/ 229) (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_2')))، وقال ابن قدامة المقدسي الحنبلي: «ومَنْ سبَّ اللهَ تعالى كَفَرَ سواء كان مازحًا أو جادًّا» (3 - «المغني» لابن قدامة: (10/ 103) (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_3')))، ومثله عن ابن تيمية قال: «إنّ من سبَّ الله أو سبَّ رسولَه كفر ظاهرًا وباطنًا، سواء كان السابُّ يعتقد أنّ ذلك محرّمٌ أو كان مستحلاًّ أو كان ذاهلاً عن اعتقاده، هذا مذهبُ الفقهاءِ وسائرِ أهلِ السُّنَّةِ القائلين بأنّ الإيمانَ قولٌ وعملٌ» (4 - «الصارم المسلول» لابن تيمية: (512) (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_4'))).

ذلك، لأنّ في سبِّ الله تنقيصًا لله تعالى، واستخفافًا واستهانة به سبحانه، وانتهاكًا وتمرّدًا على ربِّ العالمين، ينبعث من نفس شيطانية ممتلئة من الغضب، أو من سفيه لا وقار لله عنده، فحاله أسوأ من حال الكافر، إذ السابّ مظهر للتنقّص ومفرط في العداوة ومبالغ في المحاداة بينما الكافر يعظّم الربّ، ويعتقد أنّ ما هو عليه من الدِّين الباطل ليس استهزاءً بالله ولا مسبّة له، وهو -أيضًا- من جهة أخرى أسوأ حالاً من المستهزئ؛ لأنّ الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر بنصِّ قوله تعالى: ?وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ، لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ? [التوبة: 65 - 66]، وإذا كان الاستهزاء كفرًا فالسبُّ المقصود من بابٍ أولى، والآية دلّت على مساواة الجِدّ واللعب في إظهار كلمة الكفر، وضمن هذا المعنى يقول ابنُ العربي المالكي: «لا يخلو ما قالوه -أي: المنافقون- من ذلك جِدًّا أو هزلاً، وهو كيفما كان كُفر، فإنّ الهزل بالكفر كُفر لا خلاف فيه بين الأمّة، فإنّ التحقيقَ أخو العلم والحقّ، والهزلَ أخو الجهل والباطل» (5 - «أحكام القرآن» لابن العربي: (2/ 976)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير