تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الوجه الثالث: أنه قد ثبت أن الجنة لم يدخلها من لم يعمل خيرا قط من المعذبين الذين يخرجهم الله من النار و أما النار فلم يدخلها من لم يعمل سوءا قط و لا يعذب إلا من عصاه.

الوجه الرابع: أنه قد ثبت أن الله سبحانه و تعالى ينشئ للجنة خلقا آخر يوم القيامة يسكنهم إياها و لا يفعل ذلك بالنار و أما الحديث الذي قد ورد في صحيح البخاري من قوله: و أما النار فينشئ الله لها خلقا آخرين فغلط وقع من بعض الرواة انقلب عليه الحديث و إنما هو ما ساقه البخاري في الباب نفسه و أما الجنة فينشئ الله لها خلقا آخرين ذكره البخاري رحمه الله مبينا أن الحديث انقلب لفظه على من رواه بخلاف هذا و هذا.

والمقصود أنه لا تقاس النار بالجنة في التأبيد مع هذه الفروق يوضحه.

الوجه الخامس أن الجنة من موجب رحمته و رضاه و النار من غضبه و سخطه و رحمته سبحانه تغلب غضبه و تسبقه كما جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة عنه أنه قال كلما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده موضوع على العرش أن رحمتي تغلب غضبي.

و إذا كان رضاه قد سبق غضبه وهو يغلبه كان التسوية بين ما هو من موجب رضاه و ما هو من موجب غضبه ممتنعا يوضحه.

الوجه السادس: أن ما كان بالرحمة و للرحمة فهو مقصود لذاته قصد الغايات و ما كان من موجب الغضب و السخط فهو مقصود لغيره قصد الوسائل فهو مسبوق مغلوب مراد لغيره و ما كان بالرحمة فغالب سابق مراد لنفسه يوضحه.

الوجه السابع:و هو أنه سبحانه و تعالى قال للجنة أنت رحمتي ارحم بك من أشاء و قال للنار أنت عذابي أعذب بك من أشاء و عذابه مفعول منفصل و هو ناشئ عن غضبه و رحمته ههنا هي الجنة وهي رحمة مخلوقة ناشئة عن الرحمة التي هي صفة الرحمن فههنا أربعة أمور رحمة هي وصفه سبحانه وثواب منفصل هو ناشىء عن رحمة وغضب يقوم به سبحانه و عقاب منفصل ينشأ عنه فإذا غلبت صفة الرحمة صفة الغضب فلأن يغلب ما كان بالرحمة لما كان بالغضب أولى و أحرى فلا تقاوم النار التي نشأت عن الغضب الجنة التي نشأت عن الرحمة يوضحه.

الوجه الثامن: أن النار خلقت تخويفا للمؤمنين و تطهيرا للخاطئين و المجرمين فهي طهرة من الخبث الذي اكتسبته النفس في هذا العالم فان تطهرت ههنا بالتوبة النصوح و الحسنات الماحية و المصائب المكفرة لم يحتج إلى تطهير هناك و قيل لها مع جملة الطيبين {سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين} و إن لم تتطهر في هذه الدار و وافت الدار الأخرى بدرنها و نجاستها و خبثها أدخلت النار طهرة لها و يكون مكثها في النار بحسب زوال ذلك الدرن و الخبث و النجاسة التي لا يغسلها الماء فإذا تطهرت الطهر التام أخرجت من النار و الله سبحانه خلق عباده حنفاء و هي فطرة الله التي فطر الناس عليها فلو خلوا و فطرهم لما نشؤا إلا على التوحيد و لكن عرض لأ كثر الفطر ما غيرها و لهذا كان نصيب النار أكثر من نصيب الجنة و كان هذا التغيير مراتب لا يحصيها إلا الله فأرسل الله رسله و أنزل كتبه يذكر عباده بفطرته التي فطرهم عليها فعرف الموفقون الذين سبقت لهم من الله الحسنى صحة ما جاءت به الرسل و نزلت به الكتب بالفطرة الأولى فتوافق عندهم شرع الله و دينه الذي أرسل به رسله و فطرته التي فطرهم عليها فمنعتهم الشرعة المنزلة و الفطرة المكملة أن تكتسب نفوسهم خبثا و نجاسة و درنا يعلق بها و لا يفارقها بل كلما ألم بهم شيء من ذلك و مسهم طائف من الشيطان أغاروا عليه بالشرعة و الفطرة فأزالوا موجبه و أثره و كمل لهم الرب تعالى ذلك باقضية يقضيها لهم مما يحبون أو يكرهون تمحص عنهم تلك الآثار التي شوشت الفطرة فجاء مقتضى الرحمة فصادف مكانا قابلا مستعدا لها ليس فيه شيء يدافعه فقال ههنا أمرت و ليس لله سبحانه غرض في تعذيب عباده بغير موجب كما قال تعالى {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم و آمنتم و كان الله شاكرا عليما} و استمر الأشقياء مع تغيير الفطرة و نقلها مما خلقت عليه إلى ضده حتى استحكم الفساد و تم التغيير فاحتاجوا في إزالة ذلك إلى تغيير آخر و تطهير ينقلهم إلى الصحة حيث لم تنقلهم آيات الله المتلوة و المخلوقة و أقداره المحبوبة و المكروهة في هذه الدار فأتاح لهم آيات آخر وأقضية و عقوبات فوق التي كانت في الدنيا تستخرج ذلك الخبث و النجاسة التي لا تزول بغير النار فإذا زال موجب العذاب و سببه زال العذاب و بقي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير