تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالبلاء و العقوبة قدرته لإزالة أدواء لا تزول إلا بها و النار هي الدواء الأكبر فمن تداوى في الدنيا أغناه ذلك عن الدواء في الآخرة و إلا فلا بدله من الدواء بحسب دائه و من عرف الرب تبارك و تعالى بصفات جلاله و نعوت كماله من حكمته و رحمته وبره و إحسانه و غناه و جوده و تحببه إلى عباده و إرادة الأنعام عليهم و سبق رحمته لهم يبادر لا إنكار ذلك إن لم يبادر إلى قبوله يوضحه.

الوجه الخامس عشر: إن أفعاله سبحانه لا تخرج عن الحكمة و الرحمة و المصلحة و العدل فلا يفعل عبثا و لا جورا و لا باطلا بل هو المنزه عن ذلك كما ينزه عن سائر العيوب و النقائص و إذا ثبت ذلك فتعذيبهم إن كان رحمة بهم حتى يزول ذلك الخبث و تكمل الطهارة فظاهر و إن كان لحكمة فإذا حصلت تلك الحكمة المطلوبة زال العذاب و ليس في الحكمة دوام العذاب أبدا الآباد بحيث يكون دائما بدوام الرب تبارك و تعالى و إن كان لمصلحة تعود إلى أوليائه فإن ذلك أكمل في نعيمهم فهذا لا يقتضي تأبيد العذاب و ليس نعيم أوليائه و كماله موقوفا على بقاء آبائهم و أبنائهم و أزواجهم في العذاب السرمد فإن قلتم إن ذلك موجب الرحمة و الحكمة و المصلحة قلتم ما لا يعقل و إن قلتم إن ذلك عائد إلى محض المشيئة و لا تطلب له حكمة و لا غاية فجوابه من وجهين أحدهما إن ذلك محال على أحكم الحاكمين و أعلم العالمين أن تكون أفعاله معطلة عن الحكم و المصالح و الغايات المحمودة و القرآن و السنة و أدلة العقول و الفطر و الآيات المشهودة شاهدة ببطلان ذلك.

و الثاني أنه لو كان الأمر كذلك لكان بقاؤهم في العذاب و انقطاعه عنهم بالنسبة إلى مشيئته سواء و لم يكن في انقضائه ما ينافي كماله و هو سبحانه لم يخبر بأبدية العذاب و أنه لا نهاية له و غاية الأمر على هذا التقدير أن يكون من الجائزات الممكنات الموقوف على حكمها على خبر الصادق فإن سلكت طريق التعليل بالحكمة و الرحمة و المصلحة لم يقتض الدوام و إن سلكت طريق المشيئة المحضة التي لا تعلل لم تقتضه أيضا و إن وقف الأمر على مجرد السمع فليس فيه متن يقتضيه الوجه السادس عشر: أن رحمته سبحانه سبقت غضبه في المعذبين فإنه أنشأهم برحمته و رباهم برحمته و رزقهم و عافاهم برحمته و أرسل إليهم الرسل برحمته و أسباب النقمة و العذاب متأخر عن أسباب الرحمة طارئة عليها فرحمته سبقت غضبه فيهم و خلقهم على خلقة تكون رحمته إليهم أقرب من غضبه و عقوبته و لهذا ترى الأطفال الكفار قد آلت عليهم رحمته فمن رآهم رحمهم و لهذا نهى عن قتلهم فرحمته سبقت غضبه فيهم فكانت هي السابقة إليهم ففي كل حال هم في رحمته في حال معافاتهم و ابتلائهم و إذا كانت الرحمة هي السابقة فيهم لم يبطل أثرها بالكلية وإن عارضها أثر الغضب و السخط فذلك لسبب منهم و أما أثر الرحمة فسببه منه سبحانه و تعالى فما منه يقتضي رحمتهم و ما منهم يقتض عقوبتهم و الذي منه سابق و غالب و إذا كانت رحمته تغلب غضبه فلان يغلب اثر الرحمة اثر الغضب أولى و أحرى.

الوجه السابع عشر: أنه سبحانه و تعالى يخبر عن العذاب أنه عذاب يوم عقيم و عذاب يوم عظيم و عذاب يوم اليم و لا يخبر عن النعيم أنه نعيم يوم و لا في موضع واحد و قد ثبت في الصحيح تقدير يوم القيامة بخمسين ألف سنة و المعذبون متفاوتون في مدة لبثهم في العذاب بحسب جرائمهم و الله سبحانه جعل العذاب على ما كان في الدنيا و أسبابها و ما أريد به الدنيا ولم ولك يرد به الله فالعذاب على ذلك و أما إن كان للآخرة و أريد به وجه الله فلا عذاب و الدنيا قد جعل لها اجل تنتهي إليه فما انتقل منها إلى تلك الدار مما ليس لله فهو المعذب به و أما ما أريد به وجه الله و الدار الآخرة فقد أريد به ما لا يفنى و لا يزول فيدوم بدوام المراد به فإن الغاية المطلوبة إذا كانت دائمة لا تزول ما لم يزل ما تعلق بها بخلاف الغاية المضمحلة الفانية فما أريد به غير الله يضمحل و يزول بزوال مراده و مطلوبه وما أريد به وجه الله يبقى ببقاء المطلوب المراد فإذا اضمحلت الدنيا و انقطعت أسبابها و انتقل ما كان فيها لغير الله من الأعمال و الذوات و انقلب عذابا و آلاما لم يكن له متعلق يدوم بدوامه بخلاف النعيم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير