6ـ الاختلاف بين المناطقة في أقسام كل من الجوهر والعرض، والتفاوت الكبير بين هذه الأقسام، واختلافهم في تعريف الجوهر والعرض، قال الإيجي: «ولم يأتوا في الحصر بما يصلح للاعتماد عليه»، وقد تقدم تشكيك الغزالي وغيره في أقسام الجوهر والعرض.
7ـ الجوهر دون صفات هو العدم، وهو من اختلاق خيال الفلاسفة أهل المنطق، ولاوجود له في الأعيان، وممتنعة الوجود في الخارج، ومحلها الذهن فقط، ولذا قالوا في صفاته: إنه ليس للجوهر لون ولا طعم ولا رائحة ولا صوت ولا برودة ولا غيرها من صفات الموجودات.
وبناء على هذه النظرية يخيل للناظر أنه إذا ما جرد الصفات عن حاملها واحدة بعد واحدة بقي الحامل (الجوهر) خالصاً من صفاته، أو جوهراً صافياً، وهذا لا يكون.
8ـ هذه النظرية تتضمن ما يخالف العقل والحس والفطرة، كإنكار الأسباب، وزعمهم أن الأجسام متماثلة في الجواهر مختلفة في الأعراض فقط، فمثلاً الثلج مماثل للنار من كل وجه، وأبطل بعضهم علم الهندسة كله لأجلها، قال التفتازاني: «إن الأجسام متماثلة، أي متحدة الحقيقة، وإنما الاختلاف بالعوارض، وهذا أصل يبتني عليه كثير من قواعد الإسلام، كإثبات القادر المختار، وكثير من أحوال النبوة والمعاد».
أخطار نظرية الجوهر والعرض:
1ـ هذه النظرية تثير الشكوك والشبهات في العقائد الكلامية، لذلك لا تخفى حالة القائلين بها في آخر حياتهم من الشك والحسرة والندم، ولذلك يرى د. حسن الشافعي: «إبعاد هذا الدليل عن المجال العقائدي، ... لأنه يثير شكوكاً من الأفضل تجنب العقائد أخطارها».
2ـ هذه النظرية مرتبطة عند الفلاسفة الأوائل ـ أبيقور ومن وافقه ـ بالإلحاد وإنكار الخالق سبحانه وتعالى.
3ـ هذه النظرية وما تولد منها سبب في تسلط الملاحدة على أهل الكلام، وصولتهم عليهم، وقدحهم فيما جاءت به الرسل عليهم السلام، فهم كما قيل: لا الإسلام نصروا، ولا الفلاسفة كسروا، لأنها تهدم قواعد الشريعة، وعلى سبيل المثال صار ماذكره هؤلاء في المعاد مما قوى شبهة المتفلسفة في إنكار المعاد.
4ـ العرض في اللغة يجب تنزيه الله تعالى عنه، أما تسمية الصفات أعراضاً ثم نفيها فهذا باطل وتلبيس، والواجب التوقف والاستفصال عن هذه المعاني الباطلة.
4ـ «من تدبر عامة بدع الجهمية ونحوهم وجدها ناشئة عن مباحث هذه الدعوى والحجة، ولهذا كان السلف والأئمة يذمون كلامهم في الجواهر والأعراض، وبناءهم علم الدين على ما ذكروه من هذه المقدمات.
:
1ـ العلم الحديث أبطل نظرية الجوهر والعرض، وذلك بتفجير الذرة، الذي يطلق عليه أصحاب هذه النظرية الجزء الذي لا يتجزأ، وبالتالي انهارت هذه النظرية تماماً، قال د. الزنيدي «ثم انهارت نظرية الجوهر الفرد، وتجزأ الجزء الذي لا يتجزأ إلى طاقة، حينما فجرت الذرة، وكان هذا انهياراً لعلم الكلام القائم على هذه النظرية، ولو كان علم الكلام هو الحامل للواء الإسلام حينما فجرت الذرة لكان ذلك سلاحاً بيد أعداء الإسلام، لتأكيد بطلانه نتيجة هذا الفساد لأساسه»، وبهذا بطلت مزاعمهم أن «إثبات الجوهر الفرد نجاة عن كثير من ظلمات الفلاسفة، مثل إثبات الهيولى والصورة، المؤدي إلى قدم العالم، ونفي حشر الأجساد، وكثير من أصول الهندسة، المبني عليها دوام حركة السموات، وامتناع الخرق والإلتئام عليها».
وهذا ما كان يرد به أهل السنة على هؤلاء، فإن إثبات الجوهر الذي لا يقبل القسمة دعوى باطلة، لأنه ما من موجود إلا ويتميز منه شيء عن شيء، وإثبات انقسامات لاتتناهى فيما هو محصور ممتنع، لامتناع وجود ما لايتناهى فيما يتناهى، وعلى سبيل المثال: الماء يقبل انقسامات متناهية إلى أن تتصاغر أجزاؤه، فإن تصاغرت استحالت إلى جسم آخر.
2ـ زعم القائلون بهذه النظرية أن المنكر لها أو بعضها من الملاحدة، قال الجويني: «أما الأصل الأول فقد أنكرته طوائف من الملحدة، وهو إثبات العرض»، وقال: «وجوزت الملحدة خلو الجواهر عن جميع الأعراض».
قال القحطاني في نونيته:
«هذا الجويهر والعريض بزعمكم أهما لمعرفة الهدى أصلان؟
من عاش في الدنيا ولم يعرفهما وأقر بالإسلام والفرقان
أفمسلم هو عندكم أم كافر أم عاقل أم جاهل أم واني».
¥