تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقالَ تعالى: {وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: 102 - 105].

فانظر كيف يرغبهم في التوبة والتصدق بقوله: (ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة ويأخذ الصدقات) فالله هو الذي يقبل توبة عبده ويفرح بها جل وعلا محبة لعبده المؤمن، وإلا فإن الله غني عن عباده لا يحتاج إلى أحد طرفة عين.

والله هو الذي يأخذ الصدقات ويتقبلها من عبده الذي أخرجها إيماناً واحتساباً من كسب طيب فينميها لعبده المؤمن ويضاعفها له أضعافاً كثيرة.

ألا يحرك ذلك في نفس العبد المذنب الضعيف دواعي الرجوع إلى الله والانطراح بين يديه والفرار إليه؟!!

فهو البر الرحيم، والتواب الحليم، والعفو الغفور، يفرح بتوبة التائبين، ويغفر ذنوب المذنبين، ولا يتعاظمه ذنب أن يغفره، بل يغفر الذنوب لمن آمن به ودعاه ورجاه مهما بلغت ولا يبالي كما جاء في الحديث القدسي العظيم: (يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي) رواه الترمذي وحسنه الألباني

ألا يحثه قوله: (ويأخذ الصدقات) على التصدق ابتغاء فضل الله والتقرب إليه؟!! لعلمه بأنه الله هو الذي يأخذها، وإذا كان الله هو الذي يأخذها فلن يضيعها، بل ينميها لعبده المؤمن، ويضاعفها له، ويخلف عليه ما أنفق كما قال تعالى: (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين)

فيؤمن بأن الله يأخذها ويبارك فيها، ويؤمن بأن الله يخلف عليه ما أنفق ويرزقه رزقاً حسناً، فما الذي يمنعه بعد من التصدق؟

لذلك كان الإنفاق في سبيل الله وإيتاء الزكاة والتصدق من أعظم صفات المؤمنين التي ورد ذكرها كثيراً في القرآن الكريم.

ومن الأدلة أيضاً قول الله تعالى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 54].

وقوله: {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ} الآيَةَ [آل عمرانَ: 15 - 17].

وقوله: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18].

...

بل ما ارتكبَ عبدٌ معصيَةً ولا قَصَّرَ في طاعةٍ إلاَّ بسببِ جهلِهِ باللَّهِ تعالى وبما يستحِقُّهُ من التعَبُّدِ بمقتضى أسمائِهِ الحسنى وصفاتِهِ العُلَى، والناسُ في هذا العلمِ على مراتبَ كثيرةٍ لا يُحْصِيهم إلاَّ مَنْ خلقَهُم:

فَمَنْ عَلِمَ أنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ عليمٌ سميعٌ بصيرٌ، وأنَّهُ شديدُ العقابِ والبطْشِ، يَغَارُ إذا انْتُهِكَتْ محارِمُهُ، ولا يُعْجِزُهُ شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ، ولا يخافُ عاقبةَ فعلِهِ، وأن عذابه أليم، وعقابه شديد، واستقرَّ ذلكَ في قلبِهِ ارتعَدَتْ فرائِصُهُ قبلَ أنْ يُفَكِّرَ في الإقدامِ على المعصيَةِ، فكانَ في هذا العلمِ خيرُ زاجرٍ لهُ عنْ فعلِ المعاصِي.

فلا يُقْدِمُ على المعصيَةِ إلاَّ حينَ يغيبُ عنهُ ذلكَ النورُ الإيمانيُّ أوْ يَضْعُفُ، وقدْ ذكرَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ هذا المعنى في الكتابِ العزيزِ في غيرِ ما آيَةٍ:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير