تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فِي قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: الْمُرَادُ بِهَا قِبْلَةُ اللَّهِ فَقَالَ: قَدْ تَأَوَّلَهَا مُجَاهِدٌ وَالشَّافِعِيُّ وَهُمَا مِنْ السَّلَفِ. وَلَمْ يَكُنْ هَذَا السُّؤَالُ يَرِدُ عَلَيَّ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا نَاظَرُونِي فِيهِ صِفَةَ الْوَجْهِ وَلَا أُثْبِتُهَا لَكِنْ طَلَبُوهَا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَكَلَامِي كَانَ مُقَيَّدًا كَمَا فِي الْأَجْوِبَةِ فَلَمْ أَرَ إحْقَاقَهُمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ بَلْ قُلْت هَذِهِ الْآيَةُ لَيْسَتْ مِنْ آيَاتِ الصِّفَاتِ أَصْلًا وَلَا تَنْدَرِجُ فِي عُمُومِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: لَا تُؤَوَّلُ آيَاتُ الصِّفَاتِ. قَالَ: أَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْوَجْهِ فَلَمَّا قُلْت: الْمُرَادُ بِهَا قِبْلَةُ اللَّهِ. قَالَ: أَلَيْسَتْ هَذِهِ مِنْ آيَاتِ الصِّفَاتِ؟ قُلْت: لَا. لَيْسَتْ مِنْ مَوَارِدِ النِّزَاعِ فَإِنِّي إنَّمَا أُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَجْهِ - هُنَا - الْقِبْلَةُ فَإِنَّ " الْوَجْهَ " هُوَ الْجِهَةُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ يُقَالُ: قَصَدْت هَذَا الْوَجْهَ وَسَافَرْت إلَى هَذَا " الْوَجْهِ " أَيْ: إلَى هَذِهِ الْجِهَةِ وَهَذَا كَثِيرٌ مَشْهُورٌ فَالْوَجْهُ هُوَ الْجِهَةُ. وَهُوَ الْوَجْهُ: كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} أَيْ مُتَوَلِّيهَا فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} كَقَوْلِهِ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} كِلْتَا الْآيَتَيْنِ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبَتَانِ وَكِلَاهُمَا فِي شَأْنِ الْقِبْلَةِ وَالْوَجْهِ وَالْجِهَةِ هُوَ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْآيَتَيْنِ: أَنَّا نُوَلِّيهِ: نَسْتَقْبِلُهُ. قُلْت: وَالسِّيَاقُ يَدُلُّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا} وَأَيْنَ مِنْ الظُّرُوفِ وَتُوَلُّوا أَيْ تَسْتَقْبِلُوا. فَالْمَعْنَى: أَيُّ مَوْضِعٍ اسْتَقْبَلْتُمُوهُ فَهُنَالِكَ وَجْهُ اللَّهِ فَقَدْ جَعَلَ وَجْهَ اللَّهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَسْتَقْبِلُهُ هَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} وَهِيَ الْجِهَاتُ كُلُّهَا كَمَا فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.

فَأَخْبَرَ أَنَّ الْجِهَاتِ لَهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِضَافَةَ إضَافَةُ تَخْصِيصٍ وَتَشْرِيفٍ؛ كَأَنَّهُ قَالَ جِهَةُ اللَّهِ وَقِبْلَةُ اللَّهِ. وَلَكِنْ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ جِهَةُ اللَّهِ أَيْ قِبْلَةُ اللَّهِ وَلَكِنْ يَقُولُ: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى الصِّفَةِ وَعَلَى أَنَّ الْعَبْدَ يَسْتَقْبِلُ رَبَّهُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: {إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ} وَكَمَا فِي قَوْلِهِ: {لَا يَزَالُ اللَّهُ مُقْبِلًا عَلَى عَبْدِهِ بِوَجْهِهِ مَا دَامَ مُقْبِلًا عَلَيْهِ فَإِذَا انْصَرَفَ صَرَفَ وَجْهَهُ عَنْهُ} وَيَقُولُ: إنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ. فَهَذَا شَيْءٌ آخَرُ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ. وَالْغَرَضُ أَنَّهُ إذَا قِيلَ: " فَثَمَّ قِبْلَةُ اللَّهِ " لَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْ التَّأْوِيلِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ؛ الَّذِي يُنْكِرُهُ مُنْكِرُو تَأْوِيلِ آيَاتِ الصِّفَاتِ؛ وَلَا هُوَ مِمَّا يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَيْهِمْ الْمُثْبِتَةُ فَإِنَّ هَذَا الْمَعْنَى صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ وَالْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ دَالَّةً عَلَى ثُبُوتِ صِفَةٍ فَذَاكَ شَيْءٌ آخَرُ وَيَبْقَى دَلَالَةُ قَوْلِهِمْ: {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} عَلَى فَثَمَّ قِبْلَةُ اللَّهِ هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْقِبْلَةِ وَجْهًا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْوَجْهَ وَالْجِهَةَ وَاحِدٌ؟ أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَنْ اسْتَقْبَلَ وَجْهَ اللَّهِ فَقَدْ اسْتَقْبَلَ قِبْلَةَ اللَّهِ؟ فَهَذَا فِيهِ بُحُوثٌ لَيْسَ هَذَا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير