تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلت ولو بعث الرجل في زماننا هذا لعلم أن البصر ليس هو الذي يخرج من الناظر ويقع على المنظور، ولا يخرج من العين شيء أصلا، وانما هي تتلقى شعاع الضوء المنعكس عن الأجسام فيحلله المخ عبر العصب البصري ويصنع منه الرؤية.

لقد استشعر ابن حزم بطلان كلام النظام وما يقول به في شأن الطفرة، فلم يجد للرد عليه الا أن يعمل عقله هو الآخر كما أعمل النظام عقله، ويتأمل كما تأمل، فرد على الباطل بشيء باطل أيضا، وان كان أخف منه بطلانا وأقرب الى الصواب .. وللمرء أن يتساءل، ما الذي أدخل مسألة تتعلق بعلم البصريات والطبيعيات الى كتب العقائد والملل والنحل والخلاف بين الفرق المتكلمة؟ الواقع أن الذين حملتهم فلسفتهم على هذا الكلام، كان الذي يحدوهم اليه محاولتهم البائية لتنظير وتعقل ما لا يسع الانسان تعقله! لم يعجبهم أن يحبج الله عنهم العلم بحقيقة الروح وحقائق الغيبيات، وحقائق صفاته تبارك وتعالى وكيفياتها وما الى ذلك من أمور لا قبل لعقل عاقل بها! ساءهم ذلك من وخز الشيطان لهم، فاستنفروا هممهم وشمروا عن سواعدهم وراحوا يخوضون برؤوسهم في تصور كيف كذا وكيف كذا، فاذا بهم طوائف وفرق شتى في الصفات وفي القضاء والقدر وفي القرءان وفي سائر أمور الغيب، ولا حول ولا قوة الا بالله!

ما الذي حمل النظام على تصور الطفرة؟ لقد كان يريد أن يجيب بها على سؤال طرأ في ذهنه وهو: "كيف"؟ وأول مقتضيات الحكمة التي يتعلمها المسلم ألا يسأل الا عما ينفعه في دينه ودنياه، أما ما يزيد عن ذلك فنزق وزيف ووهم علم وغثاء!

قال تعالى: ((وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)) [الإسراء: 36]

ما النفع الذي عاد على الرجل المسلم من قراءة مذهب النظام في الطفرة تلك ورد ابن حزم عليه؟ لم يزدد الا حيرة في أمور لا قبل له بها ولا يلزمه معرفتها!

لقد عادت أمثال تلك المباحث الباطينة اليوم الى الوجود عند الكفار ولكن في ثوب الحادي، تحت ما أسموه بالفيرياء الكمية، أو التي تتعلق بالجسيمات الذرية متناهية الصغر! يصوغون النظريات والأوهام فيما هو كائن فيما وراء ذلك المستوى المتناهي في الضآلة والدقة الى حد لا يتصوره عقل! فكل كلامهم عند هذا المستوى ليس الا محض تخرص وظن بالهوى، وليس فيه ما يصح أن يوصف بالعلم أو شبه العلم أبدا!

فصحيح أنه لا يتصور العقل نهاية للصغر، كما لا يتصور نهاية للكبر، فكل شيء في خلق الدنيا يمكن تحليله الى أجزاء، والأجزاء الى أجزاء أصغر وأدق، وهكذا الى حد ونهاية لا يعلمها الا الله، ولا يتصورها عقل البشر، وكذا في الضخامة والكبر، فالمجموعة الشمسية جزء من مجرة والمجرة جزء من سديم والسديم جزء من كذا وكذا، وهكذا الى حد لا يطيق تصوره العقل ولا يعلمه الا الله! ولكن لماذا جعل الله هذا الاعجاز لعقول البشر = في التصور ذاته فضلا عن الادراك والاحاطة الحسية؟ ليعلموا اذا ما نظروا الى خلقه جل وعلا كم هم حقراء صغار وكم هو كبير وعظيم خلق الرب تبارك وتعالى! ليهتدي من كتب الله له الهداية الى الحق يزداد يقينا به وايمانا، ويعلم أن خالقا يملك من الاحاطة والقدرة كل هذا وفوقه مما لا يستطيع هو أن يتصوره، لقدير على أن يخلق مثله وأكبر منه بما لا يعلمه الا هو جل وعلا! فالعاقل هو من يعلم أن لعقله حدا لا يطيق مجاوزته! أما أن يذهب ليدعي - تحت دثار من الفلسفة أو التنظير الفيزيقي الفلسفي - أنه قد علم ما كان في نشأة الكون، أو ما هو كائن في منتهى باطن النظام الذري، أو ما هو كائن في منتهى ظاهر الكون، فهذا أفاك أثيم، يرمي بالغيب رمية من غير رام!! فكيف بالذي أغرته تلك الخرافات التي خرجت من عقول الفلاسفة للقول على الله بغير علم، والزعم بأن في منتهى الأجزاء الصغيرة في مستوى ما دون الكم الفيزيقي، لن تجد الا الله حالا في كل شيء؟؟ أغرتهم فكرة اللانهاية في التجزئة حتى زعموا أن نظرية الكم تدل لهم على مذهبهم الحلولي، لأن الشيء الوحيد الذي لا انتهاء له هو الله! فانظروا كيف ألبس الشيطان عليهم!! قال بمثل هذا القول رجل يدعى عدنان أوكتار (هارون يحيي) ملأت كتبه الآفاق وهو من أشهر من ألف في الرد على نظرية النشوء والارتقاء في زماننا مؤلفات بالانجليزية في كثير منها خير ونفع لا تجد مثله في

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير