تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

غيره، الا أنه حلولي جلد، راح يستغل نظرية الكم الفزيقية وما كشفت عنه من عجز الانسان ازاء تلك الدقة المتناهية في أجزاء الجسيمات التحت-ذرية، أغراه ذلك على تبني أقوال محيي الدين بن عربي الزنديق، والقول بأن هذا دليل على أن كل شيء في الكون هو وهم وسراب ينتهي في النهاية عند التأمل فيه الى الحق الوحيد وهو الله!!

وهذا من أبطل البطال الذي أغراهم اليه هواهم وشياطينهم! فمن الذي قال أن كون طبيعة الجسيمات الذرية طبيعة شديدة التناهي في الصغر والدقة الى حد يفوق قدرة الانسان على تحليله وتتبعه، يدل على أن النظام الكوني مخلوق بحيث لا تكون هناك نهاية له في أجزائه، الا أن تكون تلك النهاية هي ذات الله نفسها؟؟! من الذي قال أن العقل يلزم منه هذا الهراء؟ كان الناس فيما مضى لا يعرفون الذرة أصلا، فعلموا بالجزيء، ثم مكنهم الله من رؤية أقسام الجزيء، ثم رأوا بتمكين الله واستدراجه وفتنته، أقسام أقسام الجزيء والجسيمات الذرية الأدق، ثم واصلوا وهكذا، حتى بلغوا حدا ذهب عنده بعضهم الى استحالة مواصلة الدراسة والتتبع والبحث! ولو أراد الله لهم لتمكنوا من رؤية أجزاء اجزاء أجزاء هذا الشيء الذي انتهوا اليه! ثم ماذا بعد؟ يضل الله من يشاء ويهدي اليه من اناب، ولن يصلوا الى منتهاه مهما مد الله لهم، وكلما طلبوا المزيد استدرجهم الرب وزادهم! فلا يزال منهم من يهتدي بتلك الآيات ولا يزال منهم من يضل، وهكذا هي سنته في كونه جل وعلا! وما جعل ذلك كله الا من أجل هذا! أما أن يذهب الناس المذاهب في تعليل الروح وتفسير الخلق وتصور الصفات والكلام في القدم والحدوث وما الى ذلك مما غرق فيه الفلاسفة فماذا نجني منه الا الضلال المبين؟؟

ورجوعا الى مسألة الطفرة هذه، فها هو ابن حزم رحمه الله وغفر له، يجزم بيقين - وتأمل - بأن الذي يخرج من العين هو الذي فيه الطفرة وليس ذوات الأجسام نفسها لأن هذا مستحيل! فناهيك عن بطلان ظنه بأن العين يخرج منها البصر، فان عقله يرى الطفرة هذه أمرا مستحيلا، وعقل النظام لا يراه مستحيلا، أما عقلي أنا فيقول: الله أعلم! ليس في الكون شيء يعجزه جل وعلا! وقد علمنا أن الذي كان عنده علم من الكتاب قد نقل لسليمان عرش ملكة سبأ قبل أن يرتد اليه طرفه! نقله اليه نقلا حقيقيا لا وهما ولا تصورا ولا بسبب شعاع البصر ولا غير ذلك! فهل لنا أن نسأل كيف فعل هذا؟ هل لنا أن نسأل ما هو هذا العلم الذي به فعل ما فعل؟ لا والله ليس لنا هذا! قد يكون هذا موافقا لمفهوم الطفرة هذا الذي قال به النظام، وقد يكون نقلا سريعا بلغ سرعة تفوق أقصى ما نتصوره نحن ونعلمه، حتى يبدو الشيء معه وكأنه انتقل بلا حركة أصلا! وقد يكون غير ذلك مما لا يحيط بعلمه الا الله! فماذا جنينا من الخوض فيما لا قبل لنا به ولا طريق بيننا وبين علمه؟ وأهم من ذلك، ماذا جنينا من ادخال تلك النظريات والأوهام الظنية والافتراضات الى البحث في أمور الغيبيات وفي قضايا العقيدة؟ جنينا أن امتلأت مكتبات المسلمين بكلام يسهل على الطاعن في دين الله أن يتخذه تكأة له ليقول هكذا كان تصور علمائكم وما أتوا به الا من قرءانكم، مع أننا نعلم وهم يعلمون أن مصدره فلسفاتهم هم وتخرصاتهم هم، وليس وحي السماء، ولا حول ولا قوة الا بالله ..

فاللهم عاف المسلمين من الكلام والفلسفة وما جرته على الأمة من شتات وضلال وسفه

والحمد لله رب العالمين

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير