تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لَهَا الْأَشْيَاءُ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْمَزَايَا وَانْتَفَتْ عَنْهَا ظُلُمَاتُ الْجَهَالَاتِ فَرَأَتْ الْأُمُورَ عِيَانًا مَعَ غَيْبِهَا عَنْ غَيْرِهَا. وَفِي السُّنَنِ وَالْمُسْنَدِ وَغَيْرِهِ عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا؛ وَعَلَى جَنَبَتَيْ الصِّرَاطِ سُورَانِ؛ وَفِي السُّورَيْنِ أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ؛ وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ؛ وَدَاعٍ يَدْعُو عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ. وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ؛ وَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ الْإِسْلَامُ؛ وَالسُّتُورُ الْمُرْخَاةُ حُدُودُ اللَّهِ؛ وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ فَإِذَا أَرَادَ الْعَبْدُ أَنْ يَفْتَحَ بَابًا مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ نَادَاهُ الْمُنَادِي: يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَفْتَحْهُ؛ فَإِنَّك إنْ فَتَحْته تَلِجْهُ. وَالدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ؛ وَالدَّاعِي فَوْقَ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُؤْمِنٍ} فَقَدْ بَيَّنَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْعَظِيمِ - الَّذِي مَنْ عَرَفَهُ انْتَفَعَ بِهِ انْتِفَاعًا بَالِغًا إنْ سَاعَدَهُ التَّوْفِيقُ؛ وَاسْتَغْنَى بِهِ عَنْ عُلُومٍ كَثِيرَةٍ - أَنَّ فِي قَلْبِ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَاعِظًا وَالْوَعْظُ هُوَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ؛ وَالتَّرْغِيبُ وَالتَّرْهِيبُ. وَإِذَا كَانَ الْقَلْبُ مَعْمُورًا بِالتَّقْوَى انْجَلَتْ لَهُ الْأُمُورُ وَانْكَشَفَتْ؛ بِخِلَافِ الْقَلْبِ الْخَرَابِ الْمُظْلِمِ؛ قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ: إنَّ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ سِرَاجًا يُزْهِرُ. وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: " {إنَّ الدَّجَّالَ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ قَارِئٍ وَغَيْرِ قَارِئٍ} فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَتَبَيَّنُ لَهُ مَا لَا يَتَبَيَّنُ لِغَيْرِهِ؛ وَلَا سِيَّمَا فِي الْفِتَنِ وَيَنْكَشِفُ لَهُ حَالُ الْكَذَّابِ الْوَضَّاعِ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ فَإِنَّ الدَّجَّالَ أَكْذَبُ خَلْقِ اللَّهِ مَعَ أَنَّ اللَّهَ يُجْرِي عَلَى يَدَيْهِ أُمُورًا هَائِلَةً ومخاريق مُزَلْزِلَةً حَتَّى إنَّ مَنْ رَآهُ افْتَتَنَ بِهِ فَيَكْشِفُهَا اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ حَتَّى يَعْتَقِدَ كَذِبَهَا وَبُطْلَانَهَا. وَكُلَّمَا قَوِيَ الْإِيمَانُ فِي الْقَلْبِ قَوِيَ انْكِشَافُ الْأُمُورِ لَهُ؛ وَعَرَفَ حَقَائِقَهَا مِنْ بَوَاطِلِهَا وَكُلَّمَا ضَعُفَ الْإِيمَانُ ضَعُفَ الْكَشْفُ وَذَلِكَ مَثَلُ السِّرَاجِ الْقَوِيِّ وَالسِّرَاجِ الضَّعِيفِ فِي الْبَيْتِ الْمُظْلِمِ؛ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ فِي قَوْلِهِ: {نُورٌ عَلَى نُورٍ} قَالَ: هُوَ الْمُؤْمِنُ يَنْطِقُ بِالْحِكْمَةِ الْمُطَابِقَةِ لِلْحَقِّ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ فِيهَا بِالْأَثَرِ فَإِذَا سَمِعَ فِيهَا بِالْأَثَرِ كَانَ نُورًا عَلَى نُورٍ. فَالْإِيمَانُ الَّذِي فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ يُطَابِقُ نُورَ الْقُرْآنِ؛ فَالْإِلْهَامُ الْقَلْبِيُّ تَارَةً يَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْقَوْلِ وَالْعِلْمِ؛ وَالظَّنُّ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ كَذِبٌ. وَأَنَّ هَذَا الْعَمَلَ بَاطِلٌ؛ وَهَذَا أَرْجَحُ مِنْ هَذَا؛ أَوْ هَذَا أَصْوَبُ. وَفِي الصَّحِيح عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {قَدْ كَانَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدِّثُونَ فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ فَعُمَرُ}. وَالْمُحَدِّثُ: هُوَ الْمُلْهَمُ الْمُخَاطَبُ فِي سِرِّهِ. وَمَا قَالَ عُمَرُ لِشَيْءِ: إنِّي لَأَظُنّهُ كَذَا وَكَذَا إلَّا كَانَ كَمَا ظَنَّ وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى قَلْبِهِ وَلِسَانِهِ. وَأَيْضًا فَإِذَا كَانَتْ الْأُمُورُ الْكَوْنِيَّةُ قَدْ تَنْكَشِفُ لِلْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ لِقُوَّةِ إيمَانِهِ يَقِينًا وَظَنًّا؛ فَالْأُمُورُ الدِّينِيَّةُ كَشْفُهَا لَهُ أَيْسَرُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ فَإِنَّهُ إلَى كَشْفِهَا أَحْوَجُ فَالْمُؤْمِنُ تَقَعُ فِي قَلْبِهِ أَدِلَّةٌ عَلَى الْأَشْيَاءِ لَا يُمْكِنُهُ التَّعْبِيرُ عَنْهَا فِي الْغَالِبِ فَإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يُمْكِنُهُ إبَانَةُ الْمَعَانِي الْقَائِمَةِ بِقَلْبِهِ فَإِذَا تَكَلَّمَ الْكَاذِبُ بَيْنَ يَدَيْ الصَّادِقِ عَرَفَ كَذِبَهُ مِنْ فَحْوَى كَلَامِهِ فَتَدْخُلُ عَلَيْهِ نَخْوَةُ الْحَيَاءِ الْإِيمَانِيِّ فَتَمْنَعُهُ الْبَيَانَ وَلَكِنْ هُوَ فِي نَفْسِهِ قَدْ أَخَذَ حِذْرَهُ مِنْهُ وَرُبَّمَا لَوَّحَ أَوْ صَرَّحَ بِهِ خَوْفًا مِنْ اللَّهِ وَشَفَقَةً عَلَى خَلْقِ اللَّهِ لِيَحْذَرُوا مِنْ رِوَايَتِهِ أَوْ الْعَمَلِ بِهِ.وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالْكَشْفِ يُلْقِي اللَّهُ فِي قَلْبِهِ أَنَّ هَذَا الطَّعَامَ حَرَامٌ؛ وَأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ كَافِرٌ؛ أَوْ فَاسِقٌ؛ أَوْ دَيُّوثٌ؛ أَوْ لُوطِيٌّ؛ أَوْ خَمَّارٌ؛ أَوْ مُغَنٍّ؛ أَوْ كَاذِبٌ؛ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ ظَاهِرٍ بَلْ بِمَا يُلْقِي اللَّهُ فِي قَلْبِهِ. وَكَذَلِكَ بِالْعَكْسِ يُلْقِي فِي قَلْبِهِ مَحَبَّةً لِشَخْصِ وَأَنَّهُ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ؛ وَأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ صَالِحٌ؛ وَهَذَا الطَّعَامَ حَلَالٌ وَهَذَا الْقَوْلَ صِدْقٌ؛ فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَبْعَدَ فِي حَقِّ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ. وَقِصَّةُ الْخَضِرِ مَعَ مُوسَى هِيَ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَأَنَّ الْخَضِرَ عَلِمَ هَذِهِ الْأَحْوَالَ الْمُعَيَّنَةَ بِمَا أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ. وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ يَطُولُ بَسْطُهُ قَدْ نَبَّهْنَا فِيهِ عَلَى نُكَتٍ شَرِيفَةٍ تُطْلِعُك عَلَى مَا وَرَاءَهَا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير