تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كفر الجاسوس , وهو دليل آخر يؤكد أن قوله في الموالاة العملية.

المسألة الثانية

كلام ابن تيمية الذي فُهِم منه أنه يكفر بالموالاة العملية

فهم بعض من نظر في كلام ابن تيمية أنه يكفر بالموالاة العملية للكفار بناء على فهمه لبعض نصوص ابن تيمية , وسأذكر في هذا الموطن أهم أقوال ابن تيمية التي استدل بها من ينسب إليه القول بالتكفير بالموالاة العملية للكفار.

وقبل أن نذكر تلك النصوص يحسن بنا أن ننبه على عدة أمور , منها:

1 - أن ابن تيمية لم يفرد مسألة الموالاة ببحث مستقل , وإنما تكلم عليها في مواطن متناثرة من كتبه , وكان بحثه لها من جهات متعددة , فهو تارة يتكلم عن الموالاة من جهة علاقتها بالإيمان وكونها أصلا من أصوله , وتارة من جهة دلالة النصوص التي وردت في الموالاة , وتارة من جهة تحديد المخاطب بتلك النصوص , وتارة يتكلم على نوع معين من أنواع الموالاة.

وهذه الجهات لا بد من اعتبارها وملاحظتها في فهم كلام ابن تيمية , لأن مقتضى تلك الجهات ليس متحدا , فما يقتضيه الكلام على الموالاة من جهة كونها أصلا من أصول الإيمان لا يلزم أن يكون منطبقا على الكلام في فرد من أفرادها , وهذا الكلام سيأتي له مزيد بسط بعد قليل.

2 - أن نتذكر أن نسبة قول معين لعالم ما يحتاج إلى استقراء لكلامه , وجمع متفرقه , خاصة في مثل حال ابن تيمية , وذلك أن نسبة قول ما إلى عالم معين تعتبر خبرا من الأخبار , والخبر يجب على كل مسلم أن يصدق فيه , بل ويتحراه , نعم قد يتحرى المسلم الصدق في خبره ولكنه لا يبلغه فلا يكون آثما بعدم البلوغ والحمد لله.

والمقصود هنا التنبيه على هذا الملحظ المهم في نسبة الأقوال إلى العلماء.

وأما ما يتعلق بالنصوص التي ذكرت عن ابن تيمية في التكفير بالموالاة العملية فهي نصوص كثيرة , ومن تلك النصوص:

1 - قوله:" فَالْمُخَاطَبُونَ بِالنَّهْيِ عَنْ مُوَالَاةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى هَمّ الْمُخَاطَبُونَ بِآيَةِ الرِّدَّةِ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ قُرُونِ الْأُمَّةِ , وَهُوَ لَمَّا نَهَى عَنْ مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ وَبَيَّنَ أَنَّ مَنْ تَوَلَّاهُمْ مِنْ الْمُخَاطَبِينَ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ بَيَّنَ أَنَّ مَنْ تَوَلَّاهُمْ وَارْتَدَّ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ لَا يَضُرُّ الْإِسْلَامَ شَيْئًا " ([13]).

وهذا النص لا يدل على أن ابن تيمية يكفر بالموالاة العلمية , ويتبين هذا بالوجوه التالية:

أ- أن هذا النص ليس فيه دليلا على محل البحث الذي هو أن الموالاة العملية للكفار كفر , وإنما فيه الكلام على تحديد المخاطب بهذا النص , وأنهم المؤمنون , وهذا أمر لا نزاع فيه وليس هو محل البحث , فلا شك أن المؤمنين مخاطبون بالنصوص التي فيها النهي عن موالاة الكفار والنصوص التي فيها الحكم على موالاة الكفار بالكفر , ولكن البحث هنا في تحرير مناط الكفر فقط.

ب - وفيه أيضا تقرير أن الله حكم على من تولى الكفار بأنه منهم , وهذا أيضا ليس محل البحث , فإن البحث ليس في عموم لفظ الآية وإنما في موطن عمومها , بمعنى هل العموم هنا يشمل كل صور الموالاة أم أن العموم خاص في حال المنافقين , وابن تيمية هنا لم يبين لنا موقفه من هذه المسألة , فكيف نقول إن قوله هذا يدل على أنه يكفر بالموالاة العملية.

بل من يتأمل كلام ابن تيمية في مواطن أخرى يستطيع أن يقول: إنه يجعل موطن العموم في حال المنافقين فقط , وذلك أنه حكي الاتفاق على أن آية المائدة نزلت بسبب المنافقين , وفي هذا يقول: "والمفسرون متفقون على أنها نزلت بسبب قوم ممن كان يظهر الإسلام وفى قلبه مرض خاف أن يغلب أهل الإسلام فيوالى الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم للخوف الذي في قلوبهم , لا لاعتقادهم أن محمدا كاذب , واليهود والنصارى صادقون , وأشهر النقول في ذلك (أن عبادة بن الصامت قال: يا رسول الله إن لي موالى من اليهود واني أبرأ إلى الله من ولاية يهود , فقال عبد الله بن أبي لكنى رجل أخاف الدوائر ولا أبرأ من ولاية يهود , فنزلت هذه الآية " ([14]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير