تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فيه بعض دلالة. وثالثاً: أنه خلاف مذهبه المتواتر عنه فيكون مردوداً أيضاً عند كثيرين، منهم أحمد كما بسط ابن رجب في شرحه علل الترمذي. ورابعاً: أن طاوساً مع كونه من الملازمين لابن عباس روى ذلك بواسطة من غير لفظ يفيد االسماع. وخامساً: أن الواسطة أبو الصهباء وهو إن كان من موالي ابن عباس فمجهول، وإن كان من غيرهم في طبقته فضعيف. وسادساً: إن في بعض طرقه خاطب أبو الصهباء ابن عباس بقوله: هات من هناتك، وجل مقدار ابن عباس أن لا يرد على هذا السائل قوله. وسابعاً: أن ظاهره إقرار منه بأنه من هناته المردودة وقد شهر بين سلف العلماء وخلفهم حكم رخص ابن عباس الخ اهـ كلام الكوثري.

وأنا لم أنقل هذه العبارة برمتها عن هذا الرجل إلا لبيان خبث ما يضمره لأكابر الصحابة رضي الله عنهم وأعلام هذه الأمة، وليقف الناس على تدليسه الظاهر فيما ينقل ويقول، وعلى بعده عن التحقيق الذي رفع غيره إلى منصة الإعجاب، وليعرفوا قدره في كل ما يدعيه من إتقان وإطلاع.

وستعمد (الكويت) إن شاء الله تعالى إلى إبراز مخازيه التي موهها على بعض أهل الفضل؛ فانخدعوا بها برهة من الزمن لسلامة نياتهم.

أما الآن فيطول بي البحث لو أردت مناقشته في كل عباراته التي يضرب بعضها رقاب بعض، وإنما الذي لابد من التنبيه عليه هو بيان تهجمه الثقيل على حبر هذه الأمة رضي الله عنه، وليس غرضي من مناقشته في هذه النقطة إلا الدفاع عن ترجمان القرآن لا تأييد مذهب شيخ الإسلام بن تيمية في الطلاق الثلاث، فإني مع إجلالي لقدره ووقوفي في وجه من يحاول النيل منه لا أوافقه عليها لأسباب، ليس منها الطعن في دينه كما يحاوله الكوثري بلا خجل ولا حياء، فابن تيمية مجتهد من أئمة الإسلام وللمجتهد منهم أجران وأجر في أحكامه؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: " إذا اجتهد الحكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد واخطأ فله أجر "، ولا غمز ابن عباس بأمانته التي لم يخف الله بها الكوثري في تدنيس قلمه، والتي سيصبح بعدها مُثلة أمام الناس.

فأقول وبالله التوفيق: إذا كان مذهب ابن عباس المعروف عنه بالتواتر أن الطلاق الثلاث بلفظة واحدة تعتبر ثلاثاً، فما هو حينئذ المسوغ للنيل من شرفه بقول لم يقله، وما هو المبرر لأن يجعل هذا القول الضعيف عنه في عداد رخصة التي نهى العلماء عنها، وحذروا من العمل بها؟ وهل يصح للعلماء المحققين أن يحذروا من قول مكذوب على صاحبه بحجة ما عرف عنه من تساهل؟

وأيضاً: فكيف ساغ للكوثري أن يجعل أبا الصهباء واقفاً بين درجتي المجهول أو الضعيف؟ وعلى أي استناد كان هذا التردد منه؟ ومجرد كون الرجل مولى لا يلزم منه أن يكون مجهولاً أو ضعيفاً، فكم في الموالي من فاق الأسياد والأحرار.

على أنه من المستبعد جداً إذا كان أبو الصهباء من موالي ابن عباس أن يخاطبه بتلك العبارة الخشنة التي تستغرب ممن هو أحط من أبي الصهباء في علمه مع مثل ابن عباس في جلالته، وهل بلغ سقوط قدر حبر هذه الأمة إذ ذاك أن يغمز بمثل تلك المغامز الحادة حتى من مواليه.

ثم قد يكون أمر هذه (الهنات) سهلاً لو كانت من (هنات) ابن عباس نفسه ومن اختياراته وحده، فيقال حينئذ: اجتهد الرجل فاخطأ، ولكن ماذا يقول (زاهد) وحديث مسلم الذي أشار إليه هو أن أبا الصهباء قال لابن عباس رضي الله عنه: ألم تعلم أن الثلاث كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه وصدر من خلافة عمر رضي الله عنه ترد إلى واحدة؟ قال: نعم.

ماذا يقول الكوثري وتصديق ابن عباس لقول أبي الصهباء هذا يعد كالاعتراف منه؟ وحاشاه الافتراء على الله ورسوله، وعلى أبي بكر وصدر من خلافة عمر، ماذا يقول وقد طبل وزمر لإثبات لفظة (الهنات) في ذلك الأثر الذي يلزم منه إثباتها فيه؟ ومن إقرار ابن عباس لأبي الصهباء عليها أن يكون ما نسبه للرسول صلى الله عليه وسلم (هناة)؟ والكوثري يعلم ما تنطوي عليه هذه اللفظة من بشاعة وشناعة، وهل رجل بلغ به التساهل إلى هذا الحد حتى مع الرسول صلى الله عليه وسلم يكون أهلاً لأن يؤخذ عنه، وأهلاً للثقة التي فاز بها من أئمة الإسلام أمس واليوم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير