تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الهداية أن تكون هذه الدلائل مطلوبة على منهج الله كأن يتفكر في نفسه وفي خلق الله ويسمع من كلام الله وكلام النبي r في هذا الباب ما يثلج به صدره، وقد اشتمل القرآن على خلاصة الأقيسة العقلية التي توجد في كلام جميع العقلاء، ويوجد فيه من الطرق الصحيحة ما يطمئن قلب الشاك بالإيمان، أما أن يطلب علم الكلام فهذا لا يوصله إلى اليقين ما عاش، ويبقى في الحيرة والريب إلى أن يقلع عنه، ويطلب معرفة الله وتوحيده من خلال خلقه وصنعه وكلامه، فقد قال تعالى:] يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون. الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون [، فعرف الله نفسه العلية لخلقه بصنائعه البديعة وخليقته الرائعة، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:"من طلب دينه بالقياس، لم يزل دهره في التباس، اعرفه بما عرف به نفسه! "، وقال الإمام مالك:"من طلب الدين بالكلام تزندق! ".

وأما الصنف الآخر من الناس: من استقرت نفسه إلى تصديق ما جاء به رسول الله r جملة، وسكن قلبه إلى الإيمان، ولم تنازعه نفسه إلى طلب برهان، فهؤلاء لا يحتاجون إلى استدلال ولا أن يكلفوا بالاستدلال، وهؤلاء هم جمهور الناس من العامة والنساء والصبيان والتجار والصناع والعباد وأصحاب الحديث الذين يذمون الكلام والجدل والمراء في الدين، هؤلاء الذين قال الله فيهم:] ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون. فضلاً من الله ونعمة والله عليم حكيم وقال تعالى:] فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون [. فهؤلاء المسلمون الخواص منهم والعوام ليسوا مقلدين لآبائهم ولا لكبرائهم، لأن هؤلاء مقرون بألسنتهم ومحققون في قلوبهم أن آباءهم ورؤساءهم لو كفروا لما كفروا هم، بل كانوا يوجبون قتل آبائهم ورؤسائهم والبراءة منهم.

فإن قالوا: قد قال تعالى:] فاعلم أنه لا إله إلا الله [الآية، فأمر بالعلم دون التقليد!

يقال: نعم! فكان ماذا؟! بل هذه الآية حجة عليكم، فالله جل وعلا أمر بالعلم الذي هو على حدكم إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكاً جازماً أو هو الاعتقاد الجازم المطابق للحق، فليس في حد العلم أنه استدلال أو برهان. ولكن العلم يعتبر نوعاً من أنواع الإسناد التصديقي بمعنى أنه يوصل إلى التصديق الذي هو إسناد أمر إلى ذاتٍ بالنفي أو الإثبات، وليس في الآية أمر بالاستدلال والنظر والبرهنة، فبطل تعلقهم بالآية جملة.

فإن قالوا: كل ما لم يصح بدليل فهو دعوى، ولا فرق بين الصادق والكاذب بنفس قولهما إلا بالدليل، قال الله عز وجل:] قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين [، فمن لا برهان له، فليس صادقاً في قوله!

يقال: إنما كلف الله جل وعلا في هذه الآية وأمثالها الكفار المخالفين لما جاء به الرسول r بالإتيان بالبرهان إن كانوا صادقين، هذا نص الآية، وليس فيها تكليف المسلمين بالإتيان بالبراهين على صحة إسلامهم وإيمانهم، وإنما أمر الله تعالى الكافرين بالبراهين على صحة دعواهم تبكيتاً وتعجيزاً لا أمراً شرعياً مقتضاه الوجوب، وهذا مثله مثل قوله تعالى:] فأتوا بعشر سور مثله مفتريات [، فهذا يدعى أمر تعجيز، والمقصود منه أن كل من خالف النبي r لا برهان له أصلاً، وأما من اتبع ما جاءه به رسول الله r، فقد اتبع الحق الذي قامت البراهين على صحته، فسواء علم بذلك البرهان أم لم يعلم، فحسبه أنه على الحق الذي صح بالبرهان، وبالله التوفيق.

فإن قالوا: قد ثبت في الصحيح وغيره من حديث أسماء أن النبي ذكر القبر، فقال: (يؤتى أحدكم فيقال: ما علمك بهذا الرجل! فأما المؤمن أو الموقن، فيقول: هو محمد رسول الله جاءنا بالبينات والهدى فأجبنا وآمنا واتبعنا. فيقال: نم صالحاً فقد علمنا إن كنت لمؤمناً. وأما المنافق أو المرتاب، فيقول: لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته). قالوا: فالمستدل هو المؤمن، والمرتاب هو المقلد لأنه سمع الناس يقولون شيئاً فقاله، ولم يستدل على ذلك!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير