ـ[محمد سالم سيد عثمان خليل]ــــــــ[27 - 03 - 07, 01:02 م]ـ
أرسل الله تعالى نبينا محمد-صلى الله عليه وسلم- ليخرج الناس من غياهب الظلمات .. وأيده سبحانه بالآيات البينات والمعجزات الباهرات، وكان القرآن الكريم أعظمها قدراً، وأعلاها مكانة وفضلاً. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله أومن أو آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي فأرجو أني أكثرهم تابعاً يوم القيامة) أخرجه البخاري برقم4696. إنه القرآن؛ كتاب الله ووحيه المبارك .. {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} هود:1. القرآن كلام الله المنزل، غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود. {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} الشعراء:192 - 194.
أحسن الكتب نظاماً، وأبلغها بياناً، وأفصحها كلاماً، وأبينها حلالاً وحراماً. {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} فصلت:42.
فيه نبأ ما قبلنا، وخبر ما بعدنا، وحكم ما بيننا .. هو الجد ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله .. وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم .. هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلَق على كثرة الرد .. لا تنقضي عجائبه، من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم .. {لَّكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ والملائكة يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً} النساء:166.
أنزله الله رحمةً للعالمين، ومحجةً للسالكين، وحجةً على الخلق أجمعين، ومعجزةً باقية لسيد الأولين والآخرين. أعز الله مكانه، ورفع سلطانه، ووزن الناس بميزانه. من رفعه؛ رفعه الله، ومن وضعه؛ وضعه الله، قال -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً، ويضع به آخرين) رواه مسلم برقم817. إنها كرامة، وأي كرامة أن يكون بين أيدينا كتاب ربنا، الذي أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً.
حالنا مع القرآن:
من تأمل حالنا مع هذا الكتاب العظيم ليجد الفرق الشاسع والبون الواسع بين ما نحن فيه وما كان عليه سلفنا الصالح.
إهمالاً في الترتيل والتلاوة، وتكاسلاً عن الحفظ والقراءة، وغفلة عن التدبر والعمل، والأعجب من ذلك أن ترى كثيراً من المسلمين ضيعوا أوقاتهم في مطالعة الصحف والمجلات، ومشاهدة البرامج والمسلسلات، وسماع الأغاني والملهيات، ولا تجد لكتاب الله تعالى في أوقاتهم نصيباً!، ولا لروعة خطابه منهم مجيباً فأي الأمرين إليهم أحب؟! وأيهما إليهم أقرب؟!
ورسول الهدى-صلى الله عليه وسلم- يقول: (المرء مع من أحب يوم القيامة) أخرجه البخاري برقم5816. إن الكثير من الناس اليوم إذا قرؤا القرآن لم يحسنوا النطق بألفاظه، ولم يتدبروا معانيه ويفهموا مراده. فيمرون على الآيات التي طالما بكى منها الباكون، وخشع لها الخاشعون، والتي لو أنزلت على جبل {لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} الحشر:21، فلا ترق قلوبهم، ولا تخشع نفوسهم، ولا تدمع عيونهم، وصدق الله إذ يقول: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} البقرة:74. إننا - ولا حول ولا قوة إلا بالله- نمر على الآيات تلو الآيات، والعظات تلو العظات، ولا نفهم معانيها، ولا ندرك مراميها، وكأن أمرها لا يعنينا، وخطابها لا يناجينا .. فقل لي بربك ما معنى الصَّمَدُ؟ وما المراد بـ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ؟، وما هو الْخَنَّاسِ؟ .. والواحد منا يتلو هذه الآيات في يومه وليلته أكثر من مرة .. ؟!
أي هجران بعد هذا الهجران، وأي خسران أعظم من هذا الخسران .. ؟!
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (والقرآن حجة لك أو عليك) رواه مسلم برقم223.
وقال عثمان -رضي الله عنه-:"لو طهرت قلوبكم ما شبعت من كلام ربكم".
من هم أهل القرآن؟
اسمع - رعاك الله - إلى شيء من خبر أهل القرآن وفضلهم. فلعل في ذكرهم إحياء للعزائم والهمم، وترغيباً فيما نالوه من عظيم النعم.
¥