وفي عهد الطريقة الأحمدية الكتانية المذكورة؛ امتدت للزاوية الكتانية عدة فروع بالمغرب والمشرق، أهمها: الزاوية الكتانية بمراكش، ومكناس، وسلا، وتطوان، والرباط. وكان للزاوية الكتانية بآزمور وزعير والرحامنة دور كبير في إلهاب الثورة المغربية المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي.
الطريقة الكتانية:
عرف البيت الكتاني عدة شيوخ تربية كان لهم أتباع ومريدون على مدى تاريخه؛ ومن الشيوخ المربين الذين ازدهر بهم البيت الكتاني: عمران بن عبدالجليل بن يحيى الثاني (تـ340)، وعبدالله بن هادي بن يحيى الثالث الكتاني (تـ490) صاحب المدرسة الكتانية بقسنطينة بالجزائر، ومحمد بن قاسم الكتاني (949)، وعبدالعزيز بن محمد الكتاني (997)، ومحمد الطاهر بن محمد الكتاني (أواسط القرن العاشر)، وعبدالله بن أبي طالب الكتاني (1163) ومحمد بن محمد الكتاني الملقب بالحمدوشي (1214)، والطيب بن محمد الكتاني (تـ1253)، والوليد بن هاشم الكتاني (تـ1259)، والطائع بن هاشم الكتاني (تـ1264)، وسليمان بن عبدالحفيظ الكتاني (تـ1274)، ومحمد الزمزمي بن إبراهيم الكتاني (تـ1295) وغيرهم. غير أن الطريقة الكتانية بالمعنى المصطلح عليه تنقسم إلى الطريقة الكتانية المحمدية، والطريقة الكتانية الأحمدية.
أ-الطريقة الكتانية المحمدية: أسسها الشيخ أبو المفاخر محمد بن عبدالواحد الكتاني (تـ1289/ 1872) بفاس، وهي طريقة مستقلة، مبنية على الكتاب والسنة، مستغرقة في الذات المحمدية من حيث التخلق بشمائله صلى الله عليه وسلم، والتعرف على سيرته الزكية، والتبحر في معرفة السنة النبوية وكتب الحديث، ومن استغراق أتباع هذه الطريقة في السنة النبوية أن كتب الحديث كانت تسرد وتشرح بها على طول السنة.
ولهذه الطريقة أوراد يومية؛ متمثلة في الورد اللزومي، وورد السحر، وورد للنساء، ولها أكثر من أربعين حزباً يواظب عليها أتباعها. وهي طريقة مستقلة، لا قادرية ولا شاذلية، انتشرت في فاس وضواحيها. وأهم شيوخها: أبو المفاخر محمد بن عبدالواحد الكتاني، وأبو المكارم عبدالكبير بن محمد الكتاني، وأبو المواهب جعفر بن إدريس الكتاني.
ب-الطريقة الكتانية الأحمدية: نسبة لمقام: "الأحمدية"؛ عرفها مؤسسها الشيخ أبو الفيض محمد بن عبدالكبير الكتاني الشهيد بأنها: طريقة أحمدية محمدية صديقية، إبراهيمية أويسية اجتبائية.
أما الأحمدية: فمن حيث استمدادها من باطنيته صلى الله عليه وسلم الأحمدية، أما المحمدية فمن حيث الوقوف مع ظاهر الشرع في العبادات والمعاملات، والاعتناء باتباع السنن المحمدية. وأما الصديقية: فنسبة لمقام سيدنا أبي بكر الصديق في التصديق والمحبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وأما الإبراهيمية فنسبة لسيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام الذي كان أمة قانتاً لله حنيفاً. وأما الأويسية فنسبة للتابعي الجليل سيدنا أويس القرني في استغراقه في الشمائل الباطنية للنبي، والاجتبائية فنسبة لمقام الاجتباء، وهو سرعة العروج في مقامات السلوك.
وهي طريقة اجتبائية، جذبية، مبنية على أركان أربعة:
-التوبة مما جنته يداك من حين التكليف إلى وقتك.
-التزام مقام التقوى.
-التماس الأعذار للناس.
-النظر بنظرة التعظيم لسائر المخلوقات.
وهي تؤمن بأن الإسلام شريعة وعقيدة وأخلاق، بمعنى أنه منهج حياة وليس طقوساً وحروفاً تتلى. وبذلك كان للطريقة الكتانية –إضافة إلى دورها الروحي- دور في الإصلاح في المغرب في القرن الرابع عشر الهجري. فهي أول مطالب بالدستور، وصاحبة مشروع أول دستور مغربي عام 1324/ 1906)، وداعية لحرب الاستعمار الفرنسي، ومحارب له في شتى مناطق المغرب، بل استشهد مؤسسها وبعض كبار زعمائها من أجل الدفاع عن البلاد.
كما أنه للطريقة الكتانية فضل كبير في نشر علوم الحديث والإسناد، في المغرب، وربط المغرب بالمشرق عن طريق الرحلات المتعددة التي قام بها روادها خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر، والتي اعتنوا فيها بلقاء زعماء السياسة والعلم بالمشرق، وربط صلات معهم، والتنسيق معهم في الإصلاح السياسي والاجتماعي.
¥