تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعلى كل حال فإنه ما دام أنه ذنب وما دام أنه وصل إلى تسميته شركاً في هذا الحديث فإنه يدل على كبره وكونه أكبر الكبائر؛ لأن كبائر الذنوب كالزنا والربا ونحوها تحت المشيئة، إن شاء الله تعالى عفا عنها وغفرها لصاحبها، وإن شاء عذبه بقدرها، وأما الشرك ولو كان صغيراً فلابد من عذاب صاحبه في الآخرة بقدر شركه أو قدر ذنبه، فهذا دليل على عظمته.

وقال الشيخ مصطفى العدوى فى سلسلة تفسيره:

تفسير الإيمان مع الشرك بالحلف بغير الله

ووجه آخر في هذا الباب: أن قوماً ما يقرون بالله بأنه إله واحد وخالق ورازق ورب، ثم هم يحلفون بغيره، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)، وقال عليه الصلاة والسلام: (من حلف بالأمانة فليس منا)، وحسن بعض العلماء حديث: (من حلف بغير الله فقد أشرك)، وقال عليه الصلاة والسلام: (من حلف فقال: واللات والعزى، فليقل: لا إله إلا الله)، وجاء اليهود إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فقالوا: يا محمد! إنكم تشركون وتنددون! قال: وكيف ذاك؟ قالوا: أصحابك يقولون: ما شاء الله وشاء محمد، ويقولون: والكعبة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله وحده، ولا تقولوا: والكعبة، ولكن قولوا: ورب الكعبة).

فهذه صور من صور الشرك قد تتأتى إلى بعض المسلمين كذلك، ولكنها ليست بشرك مخرج عن الملة إلا إذا اعتقد صاحبها تعظيم المحلوف به كربه سبحانه وتعالى، فهذه صورة أخرى من صور الشرك، فربنا يقول: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:106] {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:65]، فهذه صور كلها تدخل تحت قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}، ومن ذلك: (لولا البط لسرقنا اللصوص)، (لولا الديك لاعتدى علينا الجيران)، هذه أيضاً صور من صور الشرك في الألفاظ ينبغي أن تتقى.

وفى فتاوى اللجنة الدائمة

لسؤال الأول من الفتوى رقم (1332):

س1: ما حكم الحلف بغير الله هل هو شرك أو لا؟

ج1: الحلف بغير الله من ملك أو نبي أو ولي أو مخلوق ما من المخلوقات محرم؛ لما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنه أدرك عمر بن الخطاب في ركب وعمر يحلف بأبيه فناداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلا إن الله عز وجل ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت» (1) وفي رواية أخرى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله» (2)، وكانت قريش تحلف بآبائها فقال: «لا تحلفوا بآبائكم» (3) رواهما مسلم وغيره، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحلف بغير الله، والأصل في النهي التحريم، بل ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه سماه: شركا، روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حلف بشيء دون الله فقد أشرك» (4) رواه أحمد بسند صحيح، ورواه الترمذي وحسنه، وصححه الحاكم، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» (5)، وقد حمل العلماء ذلك على الشرك الأصغر، وقالوا: إنه كفر دون الكفر الأكبر المخرج عن الملة والعياذ بالله فهو من أكبر الكبائر، ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه: (لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا)، ويؤيد ذلك ما رواه أبو هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من حلف منكم فقال في حلفه: باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله، ومن قال لأخيه: تعال أقامرك فليتصدق» (1) رواه مسلم وغيره فأمر صلى الله عليه وسلم من حلف من المسلمين باللات والعزى أن يقول بعد ذلك: لا إله إلا الله، لمنافاة الحلف بغير الله كمال التوحيد الواجب؛ وذلك لما فيه من إعظام غير الله بما هو مختص بالله وهو الحلف به، وما ورد في بعض الأحاديث من الحلف بالآباء فهو قبل النهي عن ذلك جريا على ما كان معتادا في العرب في الجاهلية.

وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو ... عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس

عبد الله بن منيع ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز


(1) البخاري (7/ 221)، و [مسلم بشرح النووي] (11/ 105، 106)، والإمام مالك في [الموطأ] (2/ 408)، وأبو داود (3/ 569)، والترمذي (4/ 109، 110)، والنسائي (7/ 4)، وابن ماجه (1/ 677)، والحاكم (1/ 52).
(2) صحيح البخاري المناقب (3624) ,صحيح مسلم الأيمان (1646) ,مسند أحمد بن حنبل (2/ 76) ,موطأ مالك النذور والأيمان (1037) ,سنن الدارمي النذور والأيمان (2341).
(3) صحيح البخاري المناقب (3624) ,صحيح مسلم الأيمان (1646) ,سنن الترمذي النذور والأيمان (1534) ,سنن النسائي الأيمان والنذور (3766) ,سنن أبو داود الأيمان والنذور (3249) ,سنن ابن ماجه الكفارات (2094) ,مسند أحمد بن حنبل (2/ 76) ,موطأ مالك النذور والأيمان (1037) ,سنن الدارمي النذور والأيمان (2341).
(4) الإمام أحمد (1/ 47)، والحاكم (1/ 52).
(5) سنن الترمذي النذور والأيمان (1535) ,سنن أبو داود الأيمان والنذور (3251) ,مسند أحمد بن حنبل (2/ 69).

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير