تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إيمانا منه بأنّ التّحذير من هذه البدعة فيه تعظيم لسنّة المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم حقّ التّعظيم وفيه حبّ له ومتابعة لهديه صلّى اللّه عليه وسلّم، ولقد ظلّ إلى آخر رمق من حياته يدعو إلى محاربة هذه البدعة، لما يعرفه من شدّة حبّ النّاس لها وتمسّكهم بها حيث قال رحمه اللّه في إحدى رسائله عن حكم الاحتفال بالمولد ما نصّه:» لا يجوز الاحتفال بمولد الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم ولا غيره لأنّ ذلك من البدع المحدثة في الدّين، لأنّ الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم لم يفعله ولا خلفاؤه الرّاشدون، ولا غيرهم من الصّحابة رضوان اللّه على الجميع .. ولا التّابعون لهم بإحسان في القرون المفضّلة، وهم أعلم النّاس بالسنّة وأكمل حبّا لرسول صلّى اللّه عليه وسلّم (1)، ومتابعة لشرعه ممّن بعدهم وقد ثبت عن النّبيّ صّلى اللّه عليه وسلّم أنّه قال:» من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ «أي مردود عليه، وقال في حديث آخر:» عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديين من بعدي تمسّكوا بها وعضّوا عليها بالنّواجذ وإيّاكم ومحدثات الأمور فإنّ كلّ محدثة بدعة وكلّ بدعة ضلالة «. ففي هذين الحديثين تحذير شديد من إحداث البدع والعمل بها، وقد قال اللّه سبحانه في كتابه المبين ?وما آتاكم الرّسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتّهوا?، وقال عزّوجلّ: ? فليحذر الّذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم?، وقال سبحانه: ?لقد كان لكم في رسول اللّه أسوة حسنة لمن كان يرجو اللّه واليوم الآخر وذكر اللّه كثيرا?، وقال تعالى: ?والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسان رضي اللّه عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم?، وقال تعالى:?اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا?. والآيات في هذا المعنى كثيرة، وإحداث مثل هذه الموالد يفهم منه أن اللّه سبحانه لم يكمل الدين لهذه الأمة، وأن الرّسول صلى اللّه عليه وسلّم لم يبلّغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع اللّه ما لم يأذن به زاعمين أن ذلك ممّا يقربهم إلى اللّه وهذا بلا شك فيه خطر عظيم واعتراض على اللّه سبحانه وعلى رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، واللّه سبحانه قد أكمل لعباده الدين وأتمّ عليهم النّعمة «. (2)

ففي هذا الكلام الماتع ردّ قاطع على بدعية المولد النّبوي وعلى الخطأ الجسيم الّذي ارتكبه الشّيخ "ابن باديس" رحمه اللّه لمّا شارك في الاحتفال بالمولد مشاركة فعّالة فضلا عن الدّعوة إلى تجديد تلك الذّكرى في كلّ سنة، وهذا مستغرب غاية الاستغراب حيث أنّه لو صدر من شخص عاديّ لكان الخطب أهون ولكن أن يصدر من شخص أعطيت له راية العلم في بلادنا فهذا شيء عجاب، وليس فيه من دليل سوى غياب روح السّلفية الحقيقيّة في الكثير من الجوانب عند الإمام "ابن باديس" رحمه اللّه .. ويُمكن إجمال مؤاخذات أخرى في هذا الموضوع منها:

1) أنّ دعوتنا السّلفية علّمتنا بأن لا نحابي أحدا في دين اللّه، ولاشكّ أنّ السّكوت عن هذا الخطأ الجسيم، والّذي هو في حدّ ذاته بدعة ضلالة مجاملة لشخصية "ابن باديس" رحمه اللّه ..

2) أنّنا لو تساهلْنا مع "ابن باديس" رحمه اللّه في مثل هذه البدعة الشّنيعة، نكون قد وقعنا في ظلم شخصيات أخرى آخذناها مؤاخذة شديدة على دعوتها للاحتفال بالمولد، مثل شخصية "حسن البنّا" زعيم الإخوان المسلمين، ومن كان على شاكلته، وبلا شكّ سيكون معيارنا آنذاك مختلاّ، إذ سيقال حينها: أتكون بدعة المولد شنيعة لمّا يرتكبها "البنّا" وتكون طيّبة لما يرتكبها "ابن باديس"؟ والجواب الصّحيح أن يُنكر على هذا وذاك بدون تفريق لأنّهما يشتركان في العمل نفسه وهو إحياء بدعة المولد النّبوي.

3) أنّ البدعة تظلّ بدعة مهما رآها النّاس حسنة.

4) أنّ الإنكار يشتدّ أكثر على الشّخصيات القياديّة والشّخصيات المعروفة في دنيا العلم والدّعوة، لأنّ تأثيرهم على الجماهير كبير وسريع المفعول كما يقال.

5) أنّ العامّة ستظلّ راكنة إلى هذه البدعة دون أن تنفر منها على أساس أنّ فلانا وهو من هو في دنيا النّاس يفعلها ويشارك عمليّا في احتفالاتها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير