تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولاضطلع هذا الجيل بعمل يباهي به جميع الأجيال، ولتمخض لنا ربع قرن من تفسير يكون حجة هذا القرن على القرون الآتية، ومن قرأ تلك النماذج القليلة المنشورة في الشهاب باسم مجالس التذكير علم أي علم ضاع وأي كنز غطى عليه الإهمال".

وأملى مجالس في شرح الموطأ فأكمله في خمسة عشر سنة 12 ربيع الثاني 1358 يروي الحديث بسنده المتصل إلى الإمام أبي عبد الله مالك بن أنس رضي الله عنه، فيذكر الحديث ثم يشرع في بيان ما اشتمل عليه الحديث فيتكلم على سنده فيذكر كل ما قيل في رجاله جرحا وتعديلا وتخريجه ومن خرجه غير مالك ويذكر لطائف الإسناد ثم يذكر المتن فيطيل الشرح ويذكر الفوائد الحديثية والفقهية وغيرها والمناسبة بين الأحاديث ولكنك ترى فيه ابن عبد البر. تتجلى فيه شخصية المحدث الناقد.

قال الشيخ الجيلالي بن محمد رحمه الله تعالى:" فإن من دواعي الغبطة والسرور وبواعث البهجة والارتياح أن أزف إلى المسلمين كافة وإلى أبناء الوطن العزيز خاصة هذه البشرى الجليلة والمفخرة الخالدة بختم الأستاذ عبد الحميد بن باديس لموطأ إمام الأئمة ومستودع الشريعة مالك بن أنس بعدما قضى في خدمته وهداية الأمة به درسا بضع عشرة سنة بعمل متواصل وجد جاد يحرر أسانيده ويعزز مسانيده ويرفع مراسله ويستجلي أسراره ويكتسح به غيوم البدع وضلال العقائد فهذب العقول وطهر النفوس .. وكان ختم الأستاذ الجليل حفظه الله للموطأ لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الثاني عام 1358 الموافق لفاتح جوان 1939 وكان الاحتفال به رائعا وطيب حديثه في الحواضر والبوادي ذائعا."

والأروع منه كله لو قيد ما أملاه الإمام فهذا والله ضياع العلم وجهل بقدر الإمام وعقوق في حقه وحق الأمة من بعده، فكل هذا العلم ذهب مع الإمام بذهابه ولقد سألت بعضا ممن عاصر تلك الحقبة هل عندهم شيء منه مكتوبا فكان جوابهم يدفع في النفس الأسى والحزن، وما ضياع العالم إلا إذا ضيعه أصحابه، فلو رزق الإمام أصحابا قاموا به ودون علمه لوصل إلينا اليوم من العلوم الغزيرة ما نستغني به عن تقليد غيرنا ولكانت الجزائر رحلة كما كان الإمام رحلة يرحل إليه من أقطار الغرب الإسلامي لينهلوا من علمه ويستفيدوا من أدبه فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وأذكر لك طرفا من القواعد الحديثية التي وقفت عليها مما نشره في الشهاب ونشره الشيخ عبد الرحمن شيبان بعنوان " مجالس التذكير من مجالس البشير النذير".

فائدة: وكثيرا ما يروي مالك الحديث مسندا ومرسلا، ولا يرسل مالك ولا يأتي ببلاغ في الغالب إلا وهو على علم بمن يترك من السند، أنه محل الثقة والقبول والاعتماد، فأما إذا شك فإنه يصرح بشكه، وتصريحه بالشك حين يشك يدلنا على ما عنده من العلم واليقين عندما يسكت دون أن يصرح بالراوي.

فائدة: إن هذا الموطأ هو أقدم كتاب لنا ألفه إمام عظيم من أتباع التابعين، وهو كتاب يعلمنا العلم والعمل، ويعرفنا كيف نفهم وكيف نستنبط وكيف نبني الفروع على الأصول، يعطينا هذا كله وأكثر منه بصريح بيانه وبأسلوب ترتيبه للأحاديث والآثار والمسائل، وإن شراح هذا الكتاب الجليل لم يوفوه في نظري القاصر ـ من هذه الناحية وهي من أعظم نواحيه. ومما هو مشهور من ابتكار مالك في كتابه هذا الكتاب الجامع الذي ختم به الموطأ فإنه نظر إلى مسائل عديدة من أمهات الشريعة في العقائد والأخلاق والآداب والأحكام وغيرها فنظمها في سلك واحد وسماها بالكتاب الجامع وهذه الأصول التي نظمها في هذا الباب بنى عليها من جاء بعده فروعا وعقد عليها أبوابا كالبخاري وغيره. وإن مالكا لم يذكر في موطئه كتابا خاصا بالسيرة النبوية كما فصل ذلك غيره ممن جاء بعده، ولكنه ذكر أسماءه الشريفة صلى الله عليه وسلم فكفاه، وذكر أسمائه متضمن لسيرته صلى الله عليه وسلم، فكفاه في ذكر حياته صلى الله عليه وسلم أن يذكر أسماءه.

ولما كانت سيرته من بدايتها إلى نهايتها هي المثال الصادق للشريعة كلها والسفر الجامع للدين الإسلامي كله، ختم بهذا الحديث المشتمل على هذه الأسماء المتضمنة لها وهو كالتحصيل بعد التفصيل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير