تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

جزاكم الله خيرا على ما بذلتموه من نصح أسأل الله أن ينفعني و اياكم به .. الا أنكم -و ليس القصد تبرئة ساحة النفس- على ما يبدو لم تفهموا وجه كلامي .. فالتواتر انما وصفت به الاتباث الوارد عن السلف لا كلام الامام ابن الجوزي ... أما وصف ما برربه عدم قبول فطرة العوام لمنهج التجهم بالنفاق فهو الحق ان شاء الله ان تأملته و هو دهليز كلام الباطنية و اخوان الصفا و الفلاسفة من ان الأنبياء انما كذبوا على العوام لمقتضى سياسة الخلق و أن الحق في نفس الأمر انما هو ما دلهم عليه البرهان من النفي المجرد و هذا النفاق هو المآل الطبيعي و الحتمي -كما بين ذلك شيخ الاسلام في كلامه عن اهل التحريف و التأويل و التجهيل في غير ما مقال- لكل من حاد الله في شيء من كلامه على الملأ قلت او كثرت محادته تلك علم بها أو لم يعلم بها فلا بد له أن يلتزم و يصرح بشيء من النفاق و لو بعد حين لوضوح المحجة البيضاء التي لا يتنكبها الا ضال و لا يزيغ عنها الا هالك فترى لهم مثل هذه الاعترافات كما اجتهد الاخوة هنا في التنقيب عنها و ايرادها لا تشهيرا بقائليها و لكن ليعلم من يطلع عليها وضوح الطريق و نقاءه و يعلم ان الحق أكبر من أن يختزل في شخص واحد بعد الأنبياء ... و يبقى بعد ذلك حفظ منزلة العلم و العلماء كما قلتم و لم يكن في كلامي اي تنقص للأئمة المذكورين نفعني الله و اياك بصالح علومهم فوصف القول بالنفاق أو الكفر او البدعة أو الفسق لا يلزم منه وصف القائل به كما لا يخفاكم بل قد يكون من افاضل الناس و خيارهم الا أنه كما لا يجب من انكار القول الغض من مرتبة قائله و الطعن فيه و الشماتة بحاله فكذلك لا يجب من تعظيم الشخص و احترام منزلته السكوت عن ما ينكر من أقواله و افعاله و الا سد باب انكار المنكر و الأمر بالمعروف

و هذا بعض كلام شيخ الاسلام في درء التعارض يفصل كلامه المختصر الذي نقله الشيخ فيصل

قال بعد كلام عن قاعدة الامام الرازي و الامام ابن العربي و الامام الغزالي في تعراض العقل و النقل

"ومثل هذا القانون الذي وضعه هؤلاء يضع كل فريق لأنفسهم قانونا فيما جاءت به الأنبياء عن الله فيجعلون الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه هو ما ظنوا أن عقولهم عرفته ويجعلون ما جاءت به الأنبياء تبعا له فما وافق قانونهم قبلوه وما خالفه لم يتبعوه

وهذا يشبه ما وضعته النصارى من أمانتهم التي جعلوها عقيدة إيمانهم وردوا نصوص التوراة والإنجيل إليها لكن تلك الأمانة اعتمدوا فيها على ما فهموه من نصوص الأنبياء أو ما بلغهم عنهم وغلطوا في الفهم أو في تصديق الناقل كسائر الغالطين ممن يحتج بالسمعيات فإن غلطه إما في الإسناد وإما في المتن وأما هؤلاء فوضعوا قوانينهم على ما رأوه بعقولهم وقد غلطوا في الرأي والعقل

فالنصارى أقرب إلى تعظيم الأنبياء والرسل من هؤلاء لكن النصارى يشبههم من ابتدع بدعة بفهمه الفاسد من النصوص أو بتصديقه النقل الكاذب عن الرسول كالخوارج والوعيدية والمرجئة والإمامية وغيرهم بخلاف بدعة الجهمية والفلاسة فإنها مبنية على ما يقرون هم بأنه مخالف للمعروف من كلام الأنبياء وأولئك يظنون أن ما ابتدعوه هو المعروف من كلام الأنبياء وأنه صحيح عندهم

ولهؤلاء في نصوص الأنبياء طريقتان طريقة التبديل وطريقة التجهيل أما أهل التبديل فهم نوعان أهل الوهم والتخييل وأهل التحريف والتأويل

فأهل الوهم والتخييل هم الذين يقولون إن الأنبياء أخبروا عن الله وعن اليوم الآخر وعن الجنة والنار بل وعن الملائكة بأمور غير مطابقة للأمر في نفسه لكنهم خاطبوهم بما يتخيلون به ويتوهمون به أن الله جسم عظيم وأن الأبدان تعاد وأن لهم نعيما محسوسا وعقابا محسوسا وإن كان الأمر ليس كذلك في نفس الأمر لأن من مصلحة الجمهور أن يخاطبوا بما يتوهمون به ويتخيلون أن الأمر هكذا وإن كان هذا كذبا فهو كذب لمصلحة الجمهور إذ كانت دعوتهم ومصلحتهم لا تمكن إلا بهذه الطريق

وقد وضع ابن سينا وأمثاله قانونهم على هذا الأصل كالقانون الذي ذكره في رسالته الأضحوية وهؤلاء يقولون الأنبياء قصدوا بهذه الألفاظ ظواهرها وقصدوا أن يفهم الجمهور منها هذه الظواهر وإن كانت الظواهر في نفس الأمر كذبا وباطلا ومخالفة للحق فقصدوا إفهام الجمهور بالكذب والباطل للمصلحة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير