ثم من هؤلاء من يقول النبي كان يعلم الحق ولكن أظهر خلافه للمصلحة ومنهم من يقول ما كان يعلم الحق كما يعلمه نظار الفلاسفة وأمثالهم وهؤلاء يفضلون الفيلسوف الكامل على النبي ويفضلون الولي الكامل الذي له هذا المشهد على النبي كما يفضل ابن عربي الطائي خاتم الأولياء في زعمه على الأنبياء وكما يفضل الفارابي ومبشر بن فاتك وغيرهما الفيلسوف على النبي
وأما الذين يقولون إن النبي كان يعلم ذلك فقد يقولون إن النبي أفضل من الفيلسوف لأنه علم ما علمه الفيلسوف وزيادة وأمكنه أن يخاطب الجمهور بطريقة يعجز عن مثلها الفيلسوف وابن سينا وأمثاله من هؤلاء
ومنا في هذه الجملة قول المتفلسفة والباطنية كالملاحدة الإسماعيلية وأصحاب رسائل إخوان الصفاء والفارابي وابن سينا والسهرودي المقتول وابن رشد الحفيد وملاحدة الصوفية الخارجين عن طريقة المشايخ المتقدمين من أهل الكتاب والسنة كابن عربي وابن سبعين وابن الطفيل صاحب رسالة حي ابن يقظان وخلق كثير غير هؤلاء
ومن الناس من يوافق هؤلاء فيما أخبرت به الأنبياء عن الله أنهم قصدوا به التخييل دون التحقيق وبيان الأمر على ما هو عليه دون اليوم الآخر
ومنهم من يقول بل قصدوا هذا في بعض ما أخبروا به عن الله كالصفات الخبرية من الإستواء والنزول وغير ذلك ومثل هذه الأقوال يوجد في كلام كثير من النظار ممن ينفي هذه الصفات في نفس الأمر كما يوجد في كلام طائفة وأما أهل التحريف والتأويل فهم الذين يقولون إن الأنبياء لم يقصدوا بهذه الأقوال إلا ما هو الحق في نفس الأمر وإن الحق في نفس الأمر هو ما علمناه بعقولنا ثم يجتهدون في تأويل هذه الأقوال إلى ما يوافق رأيهم بأنواع التأويلات التي يحتاجون فيها إلى إخراج اللغات عن طريقتها المعروفة وإلى الإستعانة بغرائب المجازات والإستعارات
وهم في أكثر ما يتأولونه قد يعلم عقلاؤهم علما يقينا أن الأنبياء لم يريدوا بقولهم ما حملوه عليه وهؤلاء كثيرا ما يجعلون التأويل من باب دفع المعارض فيقصدون حمل اللفظ على ما يمكن أن يريده متكلم بلفظه لا يقصدون طلب مراد المتكلم به وحمله على ما يناسب حاله وكل تأويل لا يقصد به صاحبه بيان مراد المتكلم وتفسير كلامه بما يعرف به مراده وعلى الوجه الذي به يعرف مراده فصاحبه كاذب على من تأول كلامه ولهذا كان أكثرهم لا يجزمون بالتأويل بل يقولون يجوز أن يراد كذا وغاية ما معهم إمكان احتمال اللفظ
وأما كون النبي المعين يجوز أن يريد ذلك المعنى بذلك اللفظ فغالبه يكون الأمر فيه بالعكس ويعلم من سياق الكلام وحال المتكلم امتناع إرادته لذلك المعنى بذلك الخطاب المعين وفي الجملة فهذه طريق خلق كثير من المتكلمين وغيرهم وعليها بني سائر المتكلمين المخالفين لبعض النصوص مذاهبهم من المعتزلة والكلابية والسالمية والكرامية والشيعة وغيرها
ـ[محب البويحياوي]ــــــــ[01 - 05 - 08, 07:47 م]ـ
ثم قال في الوجه الرابع في الرد على قانون الامام الرازي و هو من أقوى الوجوه و لا أستطيع وصف طربي كلما قراته لاختصاره و جودة تحرير الدليل فيه و اصابته لمثل هذا النفاق المعرفي في مقتل
"أن يقال العقل إما أن يكون عالما بصدق الرسول وثبوت ما أخبر به في نفس الأمر وإما أن لا يكون عالما بذلك
فإن لم يكن عالما امتنع التعارض عنده إذا كان المعقول معلوما له لأن المعلوم لا يعارضه المجهول وإن لم يكن المعقول معلوما له لم يتعارض مجهولان
وإن كان عالما بصدق الرسول امتنع مع هذا أن لا يعلم ثبوت ما أخبر به في نفس الأمر غايته أن يقول هذا لم يخبر به والكلام ليس هو فيما لم يخبر به بل إذا علم أن الرسول أخبر بكذا فهل يمكنه مع علمه بصدقه فيما أخبر وعلمه أنه أخبر بكذا أن يدفع عن نفسه علمه بثبوت المخبر أن أم يكون علمه بثبوت مخبره لازما له لزوما ضروريا كما تلزم سائر العلوم لزوما ضروريا لمقدماتها
¥