تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

انتقد الشيخ محمود-جزاه الله خيرا-أبا البقاء الحنفي الأشعري في نفيه تأثير الأسباب في مسبباتها فقال: ((أبو البقاء أشعري متكلم، وكون الأسباب تؤثر بقوة أودعها الله فيها هو مذهب السلف؛ فلا يغتر بأشعرية أبي البقاء ... ))، ثم نقل كلام ابن تيمية رحمه الله، وفيه الرد على الأشاعرة الذين أنكروا أن يكون للأسباب إي تأثير على المسببات.

ولكن فات الشيخ محمودا التنبيه [14] موافقة الشيخ الميلي لأبي البقاء في المسألة المذكورة، حيث نقل كلامه مقرا له؛ إلا في النوع السادس من الشرك فإنه رأى التفصيل، فقال: ((أما السادس فقد أخرجه أيضا أبو البقاء وحقه التفصيل ... )).

فالشيخ الميلي فصّل فيما رأى أنه يحاج إلى تفصيل-نظره-وأقرَّ باقي كلام أبي البقاء ولم ينتقده في شيء منه، بل ارتضاه كما هو واضح من سياق الكلام، وعادته في هذا الكتاب نقد ما لا يراه صوابا [15].

وهناك موطن آخر في (ص232) أقرَّ الشيخ الميلي القرطبي على مسألة الأسباب، حينما ذكر ما يفعله السَّاحر من طيران في الهواء و المشي على الماء و غير ذلك، ثم قال القرطبي: ((ومع ذلك فلا يكون السحر موجبا لذلك، ولا علَّة لوقوعه، ولا سببا مولدا [16]، ولا يكون الساحر مستقلا به، و إنما يخلق الله تعالى هذه الأشياء و يحدثها عند وجود السحر، كما يخلق الشبع عند الأكل، والري عند شرب الماء)).

فالقرطبي ينفي أن يكون السِّحر و الأكل و الشرب أسبابا لها تأثيرها في مسبّباتها، وإنما يخلق الله و يحدث تلك المسببات عند وجود أسبابها، لا بها، فلا ارتباط عنده بين السَّبب و المسبَّب، وإنما علاقتها علاقة اقتران [17] فقط.

وهذا قول الجهميَّة ومن تبعهم كالأشاعرة، والصواب ما عليه أ÷ل السنة أن الله - سبحانه وتعالى- جعل في الأسباب قوة تؤثر في مسبباتها بإذنه سبحانه و تعالى، فالسحر جعل الله فيه قوة تؤثر بإذنه تعالى، وجعل في الأكل قوة التغذية، وفي الماء قوة الرَّيِّ، ونحو ذلك.

قال ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (8/ 48 - 486): ((ومذهب الفقهاء أن السبب له تأثير في مسبّبه، ليس علامة محضة، وإنما يقول إنه علامة محضة طائفة من أهل الكلام الذين بنوا على قول جهم ... ومملوء-أي القرآن-بأنه يخلق الأشياء بالأسباب، لاكما يقوله أتباع جهم: أنه يفعل عندها لا بها، كقوله تعالى: (أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها)، وقوله: (ونزلنا من السماء ماء مبارك فأنبتنا به جنات وحب الحصيد. و النخل باسقات لها طلع نضيد. رزقا للعباد. وأحيينا به بلدة ميتا)، وقله: (وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات) ... )) انتهى.

وقال ابن القيم رحمه الله في ((مدارج السالكين)) (3/ 496): ((وعندهم-يعني الجهمية-أن الله لم يخلق شيئا سببا، ولا جعل في الأسباب قوى و طبائع تؤثر، فليس في النار قوة الإحراق، ولا في السم قوة الإهلاك، ولا في الماء و الخبز قوة الرَّيِّ و التغذي به، ولا في العين قوة الإبصار، ولا في الأذن و الأنف قوة السمع و الشم، بل الله سبحانه يحدث هذه الآثار عند ملاقاة هذه الأجسام، لا بها، فليس الشِّبع بالأكل، ولا الري بالشرب، ولا العلم بالاستدلال، ولا الانكسار بالكسر، ولا الإزهاق بالذبح ... ))

هذا ما يسر لي التنبيه عليه الآن، وهناك مسائل أخرى تحتاج على بيان، عسى الله أن ييسر ذلك في وقت لاحق-إن شاء الله تعالى-والله أسأل أن يرينا الحق حقا و يرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلا و يرزقنا اجتنابه، والله أعلم، وصلى الله و لم على نبينا محمَّد.

ـــــــــ

الحاشية [14]:كما نبَّه-جزاه الله خيرا-في (ص52) على خطأ الشيخ الميلي حينما نقل طعن السُّبكي في ابن تيمية رحمه الله مقرًّا له.

الحاشية [15]:أنظر مثلا نقده لكلام ابن حجر الهيتمي في (200)، والرَّازي في (ص202 - 204)، والن خلدون في (ص304) وغيرهم.

الحاشية [16]:المقصود بالتولّد: وجود مسبب تولد من سبب مباشر من العبد، كتولد الشبع عن الأكل، والري عن الشرب، ونحوها، فجعل الأشاعرة هذه الأمور من فعل الله سبحانه لا كسب فيها للمكلف ولا قدرة له عليها.

الحاشية [17]:أي يقع المسبب مقرنا بالسبب.

ـ[عبد الحق آل أحمد]ــــــــ[13 - 05 - 08, 05:48 م]ـ

أحسن الله إليك أخي " مصطفى بلحاج" على نصحك و تنبيهك وكثر الله من أمثالك.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير