[هل يصح أن يقال أن الله لا يقدر على أن يخلق الها مثله؟]
ـ[أبو الفداء بن مسعود]ــــــــ[03 - 05 - 08, 11:04 م]ـ
الحمد لله وحده
هذا الكلام يجعله البعض جوابا على سؤال خبيث يسأله بعض الملاحدة اذ يقولون
ألستم تقولون أن الله قادر على كل شيء؟ فهل يقدر ربكم على أن يخلق الها مثله؟
وعند التأمل نقول هذا سؤال فاسد. فالخلق الذي هو صفة ربوبية لله تعالى، هو كسائر صفات الربوبية أمر يقع منه سبحانه على كل ما شاء مما سوى ذاته سبحانه، فليس فعل الخلق والايجاد الذي هو مقتضى القدرة، متوجها الى ذات الله وانما الى كل ما عداها من الموجودات! فكل ما في الوجود سواه هو من خلقه وصنعه، وهو الواحد الذي لا يناظره في أحديته وصفات ربوبيته شيء! فليس يخرج عن ملكوته شيء! وليس في الوجود الا خالق واحد أحد رب مهيمن على ملكه، فيه منتهى كمال القدرة والعلم والاحاطة، وكل شيء سواه خاضع له ولقدرته. فاذا قلنا أن الله قادر على كل شيء، فهذا اللفظ انما نقصد به كل ما عدا الله تعالى!
فالله قادر على اماتة ما يشاء من خلقه وافنائه .. فهل لعاقل أن يسأل هذا السؤال: أيقدر الرب على افناء نفسه واماتتها؟ هذا سؤال فاسد أصلا وحياة الرب صفة لذاته لا تنفك عنه ولا تعلق لها بقدرته على اماتة خلقه أو فعله ما يريد فيهم! فالاهلاك والاحياء والاماتة والرزق وغير ذلك انما هي أفعال يفعلها الرب في خلقه، وليس لمخلوق أن يسأل سؤالا يقتضي الجواب عليه انزال أفعال الرب في خلقه على ذاته سبحانه! هذا قياس باطل .. والذي علم صفات الرب تعالى مما أوحى الى رسله يعلم من جمع تلك الأسماء والصفات الى بعضها البعض أن الله ليس كمثله شيء، وأنه سبحانه ليس خاضعا لما أخضع اليه خلقه، ولا هو مقيد بما قيد به خلقه، وهو سبحانه منزه عن مشابهتهم والقياس عليهم! ((ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)) فالذي يسأل هل يقدر الله على أن يميت نفسه، هذا يقيس على الرب أفعاله الواقعة منه على خلقه، فيسأل عن وقوعها منه على نفسه هو! وهذا قياس باطل ظاهر البطلان.
فالقدرة هي صفته التي يدخل تحتها كل شيء سواه! ثم حتى وان تنزلنا وفرضنا امكان ذلك - وهو باطل قطعا - فأي ملك عاقل هذا الذي يأتي في ملكه بند ونظير له في خلقه بارادته واختياره؟ فلله المثل الأعلى خالق كل شيء لا شريك له! فعندما نقول هو قادر على كل شيء، فكلمة شيء هذه التي تخضع لقدرة الله ليس العبث والافساد والباطل داخلا فيها أبدا وحاشاه جل وعلا! وليس اعطاء الخلق صفات ربوبيته داخلا فيها كذلك ..
ثم ان مجرد وجود كيان مساو للرب في صفاته هو أمر يدل العقل على امتناعه وبطلانه فضلا عن النص! والله يقول ((وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ)) فكيف يسأل السائل عما اذا كان الله يقدر على ايجاد ذلك المكافئ أو المساو له في صفاته؟
هذا ويجب أن يفهم أن مطلق وجود القدرة على الشيء لا يلزم منها فعل الشيء! وصفة القدرة والحكمة في الرب جل وعلا لا ينفصلان، ولا تنفك سائر صفات الربوبية عن بعضها البعض.
فالله تعالى يقول: ((لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ)) [الأنبياء: 17]
فهل يليق بالرب العلي أن يتخذ لنفسه ولدا أو صاحبة أو ندا أصلا، وهل هذا مما يجوز في حقه في ضوء ما علمناه من أسمائه وصفاته؟ كلا! والله قادر على أن ينزل من السماء آية تخضع لها أعناق سائر الملكفين في الدنيا، ولكنه ليس بفاعل .. لماذا؟ لأن هذا ليس مقتضى حكمته من خلقه لهذه الدنيا تبارك وتعالى! انما قضت حكمته ومشيئته أن يظل الناس منظرين الى يوم القيامة، فيموت من مات منهم على الايمان ويموت من مات منهم على الكفر ويجزى كل أحد بعمله وكسبه
وعليه فالسؤال فاسد من أصله، ولا نقول جوابا عليه ان الله لا يقدر على أن يخلق الها مثله وانما نقول، ان الله لا ند له ولا مكافئ ومجرد وجود مكافئ أو نظير لله في الوجود هو أمر ممتنع عقلا مطلقا، كما أن أفعال ربوبية الله (والتي هي مقتضى قدرته) نازلة منه على مربوبيه لا على ذاته سبحانه وتعالى.
ولعله يجادل السائل ويقول: أنتم لم تجيبوا على سؤالنا، يقدر أم لا يقدر! ألستم تقولون هو على كل شيء قدير؟ أليس هذا شيئا؟
فنقول أليس قد قال الله تعالى ((ليس كمثله شيء))؟ وقال كذلك ((وهو على كل شيء قدير))؟ فالجمع بين الآيتين أنه لا شيء مثله أو يستوي به، لا موجود بالفعل ولا هو محتمل الوجود ولا يمكن حدوثه! فلا يدخل في الآية الثانية ما تدعون! هذا جوابنا بالنقل وأما بالعقل فقد تقدم، ولا تعارض ولا شبهة ولله الحمد.
وزيادة بيان نقول أن مثل هذا السؤال أن يسأل سائل، هل يستطيع الله أن يطرد أو يخرج أحدا من ملكه؟ فنقول هذا سؤال فاسد أيضا! لأنه ليس في الوجود شيء الا وهو داخل في ملكه تبارك وتعالى! ولا يقاس ملك الله على ملك أرباب الاملاك من المخلوقين! فهؤلاء تحد أملاكهم أملاك غيرهم من نظرائهم! أما الله فله المثل الأعلى لا شريك له .. ولا يخرج شيء في الوجود عن ملكه! كل ما عداه في الوجود فهو داخل في ملكه! فيمتنع عقلا أن يوجد شيء خارج عن ملكه، ولا علاقة لتلك المسألة بقدرة الله تعالى أصلا حتى يسأل هذا السؤال! فهذه كتلك تماما: الفساد يأتي من أصل السؤال نفسه.
والله أعلم والحمد لله رب العالمين.
¥