[مؤمن موحد ومادي ملحد ((رحمة الله على الشيخ السعدي))]
ـ[سعد بن مزيد الحسيني]ــــــــ[06 - 05 - 08, 04:06 م]ـ
فائدة رقم /98
صفحة/155
في كتابه:مجموع الفوائد واقتناص الأوابد.
اعتنى به: الشيخ / سعد الصّميل -حفظه الله -.
تقديم: الشيخ /عبد الله البسام -رحمة الله عليه -.
طبعة دار ابن الجوزي
وكأن الشيخ: عبد الرحمن السعدي. رحمه الله بيننا , مناظرتان فيهما فوائد جمة!
(مناظرة بين مؤمن موحد ومادي ملحد)
أذكر هنا محاورة بين مؤمن موحد ومداي ملحد، وذلك أن رجلين مسلمين كانا مصافيين على الإسلام وفي طلب العلم، فغاب أحدهما عن صاحبه مدة طويلة، ثم التقيا؛ فإذا هذا الغائب قد تغيرت أحواله وأخلاقه، فسأله صاحبه وبحث معه في تبيين السبب الذي أوصله إلى هذا التغير الذي لا يعهده منه؛ فإذا هو قد تغلبت عليه دعايات الملحدين الذين يدعون لنبذ الدين ورفض ما جاء به سيد المرسلين، فحاوله صاحبه وقلبه على كل وجه لعله يرجع عن هذا الانقلاب الغريب الذي توجه وجهة خبيثة؛ فلم يفد فيه النصح، فعرف أن هذه علته تفتقر إلى استئصال أصل الداء ومقابلته بضده , وأن ذلك متوقف على معرفة الأسباب التي حولته والى تمحيصها وتوضيحها ومقابلتها بما يضادها ويقمعها، وشرحها شرحا يبين مرتبتها من الحقيقة، فقال له مستكشفا ً له عن الحامل له على ذلك , فقال له:
ياهذا! ما هذه الأسباب التي حملتك على ما أرى، وما الذي دعاك إلى نبذ ما كنت عليه، فإن كان خيرا كنت أنا وأنت شريكين فيه وتابعتك على ذلك، وإلا؛ فانظر لنفسك، وانظر من عقلك وأدبك أنك لا ترضى أن تقيم على ما يضرك وبثمرك الثمرات الرديئة!
فقال له: لا أخفيك العلم أني رأيت حالة المسلمين حالة لا يرضها عاقل، رأيتهم في ذل وخمول وأمورهم مدبرة وأحوالهم سيئة، ورأيت في الجانب الأخر هو أن الأجانب قد ترقوا في هذه الحياة وتفننوا في الفنون العجيبة، واخترعوا الاختراعات المدهشة والصناعات المتفوقة، وقد دانت لهم الأمم وصاروا يتحكمون في الأمم الضعيفة بما شاؤوا ويعتبرونهم كالعبيد لهم والأجراء وأدنى من ذلك؛ فرأيت منهم العز الذي بهرني والتفنن الذي أدهشني؛ فقلت في نفسي: لولا أن هؤلاء القوم هم القوم، وأنهم على الحق والمسلمون على ضده؛ ما كانوا على الوصف الذي ذكرت لك، فرأيت سلوكي سبيلهم خيرا لي وأحمد عاقبة، فهذا الذي صيرني إلى ما رأيت.
فقال له صاحبه حين أبدى له ما كان مستوراً: إذا كان هذا هو السبب الذي حولك إلى ما أرى؛ فهذا ليس من الأسباب والطرق والحقائق التي يبني عليها العقلاء وأولو الألباب عقائدهم وأخلاقهم وأعمالهم، ويعلقون بها مستقبلهم وأمالهم، أما تأخر المسلمين فيما ذكرت؛ فليس ذلك من دينهم، بل دينهم يضاد هذا أشد المضادة، وقد علمت وتيقنت ببعض ما عرفت أن دين الإسلام يدعو إلى الصلاح والإصلاح من كل وجه: إصلاح العقائد والأخلاق والدين والدنيا، وإصلاح الأحوال الداخلية والخارجية بكل وسيلة تصلح الأمة وتكف عنها غاية الأعداء , والاستعداد لهم بكل قوة يستطاع، وها هو لا تزال تعاليمه وإرشاداته قائمة لدينا، تنادي أهلها: هلموا إلى جميع الأسباب النافعة التي تعليكم وترقيكم وتعزكم في دينكم ودنياكم! أفبتفريط أهل الدين بل المنتسبين إلى الدين تحتج على الدين وتوالي أعداءه؟! أليس العاقل إذا رأى هذا التفريط منهم أوجب له أن يكون نشاطه وجهاده متضاعفا لينال المقامات العالية وينتقد الهالكين من الهوة العميقة؟! أليس القيام التام لنصر الدين في هذه الحالة من أفرض الفروض وأوجب الواجبات؟! فالجهاد في حالة قوة المسلمين وكثرة المشاركين له فضل عظيم يفوق سائر العبادات؛ فكيف إذا كانوا على هذا الوصف؟! فإن الجهاد في سبيله لا يمكن التعبير عن فضله وجليل ثمراته , ففي هذه الحال يكون الجهاد قسمين:
- قسم جهاد لتقويم المسلمين وإيقاظ هممهم وعزائمهم، وتعليمهم كل علم ينفعهم، وإرشادهم إلى كل صلاح وإصلاح، وتهذيبهم بالأخلاق الراقية , ولعل هذا أشق النوعين وأفضلهما.
- وقسم فيه مقاومة الأعداء وإعداد العدة لهم من كل وجه.
¥