تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أفحين صار الأمر على الوصف إلى ذكرت والحال التي شرحت، وصار الموقف حرجا تتخلى عن إخوانك المسلمين وتتخلف مع الجبناء والمتخلفين؛ فكيف وأنت منضم الى حزب المحاربين لأنك يا هذا أرذل ممن قال الله فيهم: ((تعالوا قاتلوا في سبيل الله او ادفعوا)) قاتلوا لأجل الدين أو ادفعوا لأجل الرابطة القومية؛ فأعيذك من هذه الحالة التي لا يرضاها ذوو الديانات ولا أهل النجدات والمودات؛ فهل ترضى أن تشارك قومك في حال عزهم وقوة عددهم وعديدهم، وتفارقهم في حال ذلهم ومصائبهم، وتخذلهم في حالة اشتدت فيها الضرورة إلى نصرة الأولياء وغيرهم وقمع عدوان الأعداء؛ فكيف مع هذا تظاهر الأعداء الألداء؛ فهل رأيت دينا خيرا من دينك؟!

فقال له: هذا المنقلب الأمر كما ذكرت لك ونفسي تتوق إلى أولئك الأقوام الذين أتقنوا الفنون والصناعات، وألفوا السياسات الراقية والحضارات.

فقال له صاحبه وهو يحاوره: أرفضت ديناً قيما كامل القواعد نير البرهان يدعو إلى الخيرات، ويحث على جميع طرق السعادة والفلاح، ويقول لأهلة: هلموا إلى الفلاح والنجاح! هلموا إلى دين عظيم مبني على الحضارات الصحيحة الراقية التي بنيت على العدل والتوحيد وأسست على الرحمة والشفقة على الخلق والحكمة وأداء الحقوق ومنع الظلم من جميع الوجوه والعقوق.

دين شمل بظله الظليل وخيره الكثير الطويل وإحسانه الشامل وبهائه الكامل ما بين المشارق والمغارب , واعترف بذلك الموافق والمنصف المحالف، أتتركه يا هذا لحضارات ومدنيات زائفة مبنية على الكفر والإلحاد , مؤسسة على الجشع والطمع وظلم العباد، فاقدة لروح الإيمان وروحه ورحمته، حضارة ظاهرها مزخرف وباطنها خراب، وتظنها تعميرا للوجود وهي حقيقة الهلاك والتدمير؟! ألم تر أثارها وما جبلته للعباد من الهلاك والفناء؛ فهل سمع الخلق منذ أوجدهم بمثل هذه المجازر البشرية والفوضى المادية؟!

فهل أغنت عنهم مدنيتهم وحضارتهم من عذاب الله من شيء لما جاء أمر ربك؟! وما زادتهم غير تتبيب؛ فلا يخدعنك يا هذا ما ترى من المناظر والزخرفة والأقوال المموهة والدعاوي والدعايات الطويلة العريضة التي أخذت بقلوب الرعاع الهمج، فانظر إلى بواطن الأشياء ولا تغرنك الظواهر، وتأمل النتائج الوخيمة؛ فهل أسعدتهم هذه الحضارة في دنياهم التي لا يرجون حياة غيرها فضلا عن أخراهم؟! ألم ترهم ينتقلون من شر إلى شرور ولا يسكتون في وقت قليل إلا وهم يتحفزون إلى الطاعات؟!

ثم هب أنهم متعوا في حياتهم بالعز والرياسات ومظاهر الحياة؛ فهل إذا انحزت إليهم وواليتهم يشركونك في حياتهم ويجعلونك كأحدهم؟

كلا والله، أنهم إذا رضوا عنك بمظاهرتك إياهم جعلوك من أخس خدامهم وأقذر أجرائهم، يقضون بك وطراً , ويجعلونك مصيدة لهم يصطادون بك كل من لا بصيرة عنده؛ فالله الله يا هذا في دينك! والله الله في مروءتك وأخلاقك وأدبك وفي بقية رمقك!

فالانضمام إلى هؤلاء هو والله الهلاك.

فلما سمع هذا الكلام وتأمل جميع الوسائل التي تنال بها الأغراض من أولئك الأقوام؛ فإذا هي مسدودة؛ فلا دين ولا دنيا، ولا راحة قلب ولا بدن ولا سلامة عرف، أنه من المغرورين، وأن الواجب عليه متابعة الناصحين، وأن الرجوع إلى الحق الذي فيه سعادة الدنيا والآخرة خير من التمادي على الباطل الذي يحتوي على الضرر العظيم؛ فقال لصاحبه: كيف لي بالرجوع، وأنى لي وقد انحزت إلى أولئك النزوع؟

فقال له صاحبه: ألم تعلم أن من أكبر فضائل الإنسان أن يتبع الحق الذي تبين له ويدع ما هو عليه من الباطل، وأن الموفق الحازم هو الذي إذا وقع في الهلاك سلك كل وسيلة توصل إلى النجاة والفكاك وتخلصه مما وقع في من الإشراك؟ واعلم أنه كلما ذاق العبد مذهب المنحرفين وشاهد ما فيه من البغي والضلال، ثم تراجع إلى الحق الذي هو حبيب القلوب كان أعظم لوقعه وأكبر لنفعه؛ فارجع إلى الحق ثابتاً , وثق بوعد الله أن الله لا يخلف الميعاد.

فقال: الحمد لله الذي أنقذنا بلطفه وحسن عنايته من الهلاك والشقاء، ومن علينا بالسعادة والهدى؛ فنسأل الله أن يتم علينا نعمته ويثبتنا عليها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير