وحديث [من بنى لله بيتاً ليذكر الله فيه بنى الله له بيتاً في الجنة]. فهذا متواتر عن نبينا عليه الصلاة والسلام.
(ورؤية) أي أحاديث الرؤية، أي رؤية المؤمنين لربهم في جنات النعيم.
(شفاعة) أي أحاديث الشفاعة، ويأتينا مبحث الشفاعة إن شاء الله بعد الحوض.
(الحوض) فأحاديث الحوض متواترة.
(ومسح الخفين) رويت أحاديث المسح على الخفين عن العشرة المبشرين بالجنة وغيرهم.
وسنتكلم عن الحوض ضمن خمسة أمور متتالية ننهي بها الكلام على الحوض إن شاء الله تعالى.
الأمر الأول: وصف الحوض لا يستطيع عقل بشري أن ينعت الحوض أو يصفه، لأنه يتعلق به غيب، فالطريق لمعرفة صفة الحوض المنقول لا المعقول والرواية لا الرأي، فلا طريق لوصف الحوض إلا عما جاء عن نبينا عليه الصلاة والسلام – من قرآن أو أحاديث – الذي لا ينطق عن الهوى فلنذكر بعض الأحاديث التي تعطينا وصفاً لهذا الحوض، إيماناً برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء عن الذي لا ينطق عن الهوى. ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [حوضي مسيرة شهر ماؤه أبيض من اللبن وريحه أطيب من المسك وكيزانه (جمع كوز وهو القدح والكأس) كنجوم السماء من شرب منه لم يظمأ بعده أبداً].
إذن هذا الحوض طوله مسيرة شهر نؤمن بهذا ولا نبحث بعد ذلك في كيفية هذا المسير هل هو مسيرة شهر على الجواد المسرع؟ أم مسيرة شهر على حسب السير في الدنيا؟ أم مسيرة شهر على حسب سير أهل الجنة؟ فالله أعلم، نحن نثبت اللفظ ولا نبحث في كيفيته فإنه مغيب.
وكيزانه كنجوم السماء ولا يعلم عددها إلا خالقها سبحانه وتعالى.
وقد أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام أن طول الحوض وعرضه بمسافة واحدة فطوله مسيرة شهر وعرضه مسيرة شهر، ثبت في صحيح مسلم من رواية ابن عمر في الحديث المتقدم [حوضي مسيرة شهر وزواياه سواء] أي أطرافه متساوية فشهر طولا ً وشهر عرضاً فتصبح الزوايا متساوية، أي على هيئة مربع كالبركة المربعة أضلاعها متساوية [ماؤه أبيض من الورِق] أي الفضة والرواية المتقدمة أبيض من اللبن، [وريحه أطيب من المسك وكيزانه كنجوم السماء فمن شرب منه لم يظمأ بعده أبداً].
يكفي هذان الحديثان لوصف الحوض بصفة مختصرة.
إذن حوض نبينا عليه الصلاة والسلام في الآخرة أضلاعه متساوية وهو مربع مسيرة شهر في شهر، زواياه سواء، الماء الذي فيه ينعش النفوس، ويصح الأبدان لونه من أحسن الألوان كلون اللبن وكلون الفضة بياض خالص ليس فيه شائبة ولا عكر ولا كدر، ريحه أطيب ريح وهو ريح المسك بل أطيب منه، وهو أحلى من العسل والكيزان التي عليه لأجل كثرة الواردين على حوض نبينا عليه الصلاة والسلام كنجوم السماء، هذا هو الوصف مختصراً.
الأمر الثاني: عدد الأحواض لنبينا عليه صلوات الله وسلامه:
له حوضان:
1 - واحد يكون قبل دخول الجنة في ساحات الحساب وعَرَصات الموقف.
2 - والآخر يكون في داخل الجنة، وكل منهما يقال له حوض ويقال له كوثر.
يقال لكل منهما حوض لأنه ينطبق عليه التعريف اللغوي (مجمع الماء).
ويقال لكل منهما كوثر لأن الحوض الذي في ساحة الحساب وعَرَصات الموقف يستمد ماءها من نهر الكوثر الذي في الجنة، فنهر الكوثر له ميزابان - كما سيأتي وهذا لا دخل لعقل الإنسان فيه – يصبان صباً بدفق وقوة في حوض النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو في ساحة الحساب وعَرَصات الموقف، فنجد أن الحوض الذي في ساحة الحساب يأخذ من نهر الكوثر قيل له كوثر وحوض، والنهر الذي في الجنة اسمه الكوثر وبما أنه في مكان محصور قيل له حوض، فكل منهما حوض وكل منهما كوثر.
وقد أنزل الله سورة كاملة يمتن بها على نبينا عليه الصلاة والسلام بهذا الخير الذي أعطاه إياه (إنا أعطيناك الكوثر) والكوثر: على وزن فوعل من الكثرة وهو الخير الكثير في الدنيا والآخرة ويدخل في ذلك النهر العظيم الذي يكون لنبينا عليه الصلاة والسلام في جنات النعيم، وفيه ميزابان يغتّان غتاً (يصبان صباً) ويشخبان من مائه في حوضه الذي هو في ساحة الحساب وعَرَصات الموقف فهذا خير عظيم أعطاه الله لنبيه الكريم عليه صلوات الله وسلامه.
¥