والرواية المرسلة رواها ابن أبي الدنيا بإسناد صحيح إلى الحسن، أن الحسن البصري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إن لكل نبي حوضاً ... ] الحديث.
لكن مراسيل الحسن – كما يقول أئمتنا -، أشبه بالريح لا يعول عليها ولا يأخذ بها، لأنه كان لا يبالي عمن أرسل بخلاف مراسيل سعيد بن المسيب فهذه كلها يأخذ بها، حتى مَنْ ردَّ المرسل أخذ بمراسيل سعيد بن المسيب كالإمام الشافعي عليه رحمة الله.
فإن سعيد بن المسيب كان يسمع من عمه والد زوجته أبي هريرة أحاديث ويحدث عنه أحياناً، ويسقطه ولا يصرح به أحياناً أخرى لاعتبارات، منها أمور سياسية، فقد ينقل عنه سعيد رواية تتعلق بأمور العامة فلا يصرح بها بإضافتها لأبي هريرة لئلا تصبح هناك مشاكل وابتلاءات كما هو الحال في العصور التي جاءت بعد عصور الخلفاء الراشدين، وهذا من جملة أغراض التدليس حذف الصحابي أو الشيخ الذي أخذ عنه التلميذ فيسقطه لأن حوله ما حوله من الاعتبارات، وكأنه يقول لئلا ندخل في مشاكل مع الدولة، فنرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونسقط الواسطة (أبا هريرة) لئلا يُستدعى ويحقق معه وما شاكل هذا.
وفعلا ً كان أبو هريرة يحفظ أحاديث فيها الإشارة إلى ذم بني أمية، فعلم سعيد بن المسيب أنه إذا حدث بها وسمى أبا هريرة، فهذا سيجر بلاءً عليه – أي على عمه – وقد كان أبو هريرة رضي الله عنه – كما في صحيح البخاري - يقول: [حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم وعاءين، أما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم] أي لقطعت رقبتي، وهذا الذي كتمه لا يتعلق بالأحكام العملية، لأنه لو كان في الأحكام العملية لبثه أبو هريرة ولم يكتمه وهو يعلم وزر كتمان العلم، إنما كان ما يكتمه هو شيء فيه الإشارة إلى ذم الأمراء الذين سيأتون بعد معاوية وأولهم الفاسق المشهور يزيد بن معاوية الذي جاء وأفسد في دين الله، وفعل ما فعل ويكفيه عاراً وشناراً قتل الحسين ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم [قلت: لم يثبت بأي سند صحيح هذا الأمر، وقد ألف في هذه الرسالة]، ولذلك كان أبو هريرة يستعيذ بالله من رأس الستين وإمرة الصبيان قبل أن يأتي رأس الستين، فمات رضي الله عنه عندما قبل رأس الستين وسلم من الفتن التي جاءت بعد الستين.
سعيد بن المسيب عندما يروي الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسقطاً الواسطة ففي الغالب هو أبو هريرة، وقد تتبع أئمتنا مراسيل سعيد فوجدوها موصولة من طرق ثابتة وصحيحة عن الصحابة؛ ولذلك احتجوا بمراسيله.
الحاصل .. أن وراية الترمذي مرفوعة إلا أنها منقطعة ورواية ابن أبي الدنيا هي بسند صحيح إلى الحسن والحسن رواه مرسلاً، فالحديث من هذين الطريقتين ضعيف مرفوعاً.
لكن يتقوى بالقواعد المقررة في شرع الله وهي أن ما ثبت لهذه الأمة يثبت للأمم الأخرى، وعليه فالحوض في الآخرة في عَرَصَات الموقف كما يكون لنبينا عليه الصلاة والسلام يكون لسائر الأنبياء الكرام عليهم السلام، إذ لا يليق بكرم الله وحكمته أن يسقي موحدي هذه الأمة ويترك الموحدين من الأمم السابقة.
ثم أضيف هنا وأقول: الحديث يتقوى () ليصل إلى درجة الحسن إن شاء الله،لأن له ثلاث شواهد متصلة عن أبي سعيد الخدري كما أخرجه ابن أبي الدنيا، وعن ابن عباس كما أخرجه ابن أبي الدنيا أيضاً عن عوف بن مالك، هذا بالإضافة إلى الشاهد المرسل الصحيح الذي أخرجه ابن أبي الدنيا أيضاً، فالحديث بمجموع هذه الطرق يكتسب قوة ويرتفع إلى درجة الحسن، والعلم عند الله.
إذن فلكل نبي حوض في الآخرة في عَرَصَات الموقف كما لنبينا عليه الصلاة والسلام، لكن يمتاز حوض نبينا عليه الصلاة والسلام بأمرين:
الأمر الأول: أن ماء حوض نبينا عليه الصلاة والسلام أطيب المياه فهو من نهر الكوثر، وهذا لا يثبت لغيره من الأحواض.
الأمر الثاني: أن حوض نبينا عليه الصلاة والسلام هو أكبر الأحواض وأعظمها وأجلها، و هو أكثرها وارداً.
وإلى جانب هذا ذهب أئمة الإسلام، يقول الحافظ في الفتح (11/ 467) عند أحاديث الحوض في كتاب الرقاق: "إن ثبت () – أي خبر الترمزي ومرسل الحسن – فالمختص بنبينا عليه الصلاة والسلام "أن حوضه يكون ماؤه من الكوثر".
¥