تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

«قدم إلى بغداد جماعة من أهل البدع الأعاجم فارتقوا منابر التذكير للعوام فكان معظم مجالسهم أنهم يقولون: ليس الله في الأرض كلام، وهل المصحف إلا ورق وعفص وزاج، وإن الله ليس في السماء، وإن الجارية التي قال لها النبي: أين الله؟ كانت خرساء فأشارت إلى السماء، أي ليس هو من الأصنام التي تعبد في الأرض. ثم يقولون: أين الحروفية الذين يزعمون أن القرآن حرف وصوت، هذا عبارة جبريل. فلما زالوا كذلك حتى هان تعظيم القرآن في صدور أكثر العوام، “ (صيد الخاطر115 - 181).

ومن يٌُراحع صيد الخاطر سيعلم كيف كان يُهاجم الأشاعرة باسمهم الصريح

وكونه وافقهم في التأويلات لا يعني أنه منهم!

أخي الكريم

لا نشك في أن ابن الجوزي رحمه الله لم يكن أشعريا بل كان يحاربهم

ولكن هل هذا يعني أنه لم يوافقهم في شيء من اعتقاداتهم؟

لا

هو وافقهم في الصفات وليس السبب هو أنه أشعري أو أنه يرى أن مذهبه جملة وتفصيلا هو الحق

ولكنه رأى أن هذه الاعتقاد هو الحق، اجتهادًا منه

أما ما نقلته فهو ليس دليلا على أنه يثبت علو الله عز وجل

بل هو انكار عليهم قول مثل هذا الكلام أمام العوام فهان تعظيم القرآن في صدورهم كما هو في آخر كلامه فيما نقلتَهُ

وقد قال شيئا مشابها في موضع آخر في كتابه صيد الخاطر ما نصه:

من أضر الأشياء على العوام كلام المتأولين، والنفاة للصفات والإضافات فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالغوا في الإثبات ليتقرر في أنفس العوام وجود الخالق، فإن النفوس تأنس بالإثبات، فإذا سمع العامي ما يوجب النفي، طرد عن قلبه الإثبات، فكأن أعظم ضرر عليه، وكان هذا المنزه من العلماء على زعمه، مقاما لإثبات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالمحو وشارعا في إبطال ما يفتون به. وبيان هذا أن الله تعالى أخبر باستوائه على العرش، فأنست النفوس إلى إثبات الإله ووجوده، قال تعالى: ويبقى وجه ربك وقال تعالى: بل يداه مبسوطتان وقال غضب الله عليهم رضي الله عنهم وأخبر أنه ينزل إلى السماء الدنيا، وقال: [قلوب العباد بين أصبعين،] وقال: كتب التوراة بيده، وكتب كتابا فهو عنده فوق العرش، إلى غير ذلك مما يطول ذكره. فإذا امتلأ العامي والصبي من الإثبات، وكاد يأنس من الأوصاف بما يفهمه الحس، قيل له: ليس كمثله شيء فمحا من قلبه ما نقشه الخيال، وتبقى ألفاظ الإثبات متمكنة. ولهذا أقر الشرع مثل هذا، فسمع منشدا يقول: وفوق العرش رب العالمين، فضحك. وقال له آخر: أو يضحك ربنا؟ فقال: نعم. وقال: إنه على عرشه هكذا. كل هذا ليقرر الإثبات في النفوس. وأكثر الخلق لا يعرفون الإثبات إلا على ما يعلمون من الشاهد، فيقنع منهم بذلك إلى أن يفهموا التنزيه. فأما إذا ابتدئ بالعامي الفارغ من فهم الإثبات، فقلنا: ليس في السماء ولا على العرش، ولا يوصف بيد، وكلامه صفة قائمة بذاته، وليس عندنا منه شيء، ولا يتصور نزوله، انمحى من قلبه تعظيم المصحف، ولم يتحقق في سره إثبات إله. هذه جناية عظيمة على الأنبياء، توجب نقض ما تعبوا في بيانه، ولا يجوز لعالم أن يأتي إلى عقيدة عامي قد أنس بالإثبات فيهوشها، فإنه يفسده ويصعب صلاحه.

فأما العالم فإنا قد أمناه لأنه لا يخفي عليه استحالة تجدد صفة الله تعالى، وأنه لا يجوز أن يكون استوى كما يعلم، ولا يجوز أن يكون محمولا، ولا يوصف بملاصقة ومس، ولا أن ينتقل. لا يخفي عليه أن المراد بتقليب القلوب بين أصبعين الإعلام بالتحكم في القلوب فإن ما يديره الإنسان بين أصبعين هو متحكم فيه إلى الغاية. ولا يحتاج إلى تأويل من قال: الإصبع الأثر الحسن، فالقلوب بين أثرين من آثار الربوبية، وهما: الإقامة، والإزاغة. ولا إلى تأويل من قال: يداه نعمتاه، لأنه إذا فهم أن المقصود الإثبات وقد حدثنا بما نعقل، وضربت لنا الأمثال بما نعلم، وقد ثبت عندنا بالأصل المقطوع به أنه لا يجوز عليه ما يعرفه الحس، علمنا المقصود بذكر ذلك. وأصلح ما نقول للعوام: أمروا هذه الأشياء كما جاءت، ولا تتعرضوا لتأويلها، بل ذلك يقصد به حفظ الإثبات، وهذا الذي قصده السلف. وكان أحمد يمنع من أن يقال: لفظي بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق، كل ذلك ليحمل على الأتباع، وتبقى ألفاظ الإثبات على حالها. .....

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير