هل في العسل شفاء لكل داء؟
هل عسل النحل ليس شفاء للمسلم؟ عندي ابنة عم، كلما شربت عسلاً، أو تتذوق كمية صغيرة منه تصاب باضطراب بسبب ألم معوي، لماذا؟ مع أني سمعت أن الرسول صلى الله عليه و سلم قال إنه شفاء.
الحمد لله
امتنَّ الله تعالى على الخلق بنعَم جليلة، في شرابها، وغذائها، ودوائها، وسائر ما تحتاجه الخليقة لعمارة الكون، ومن تلك النعم الجليلة " عسل النحل "، وقد جمع الله تعالى فيه الشراب والغذاء والدواء!.
قال ابن القيم رحمه الله: " وهو غذاء مع الأغذية، ودواء مع الأدوية، وشراب مع الأشربة، وحلو مع الحلوى، وطلاء مع الأطلية، ومفرح مع المفرحات، فما خُلق لنا شيء في معناه أفضل منه، ولا مثله، ولا قريباً منه " انتهى. " زاد المعاد " (4/ 34).
وقد أخبرنا ربنا تعالى في محكم تنزيله أنه شفاء للناس، قال تعالى: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ. يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) النحل/ 68، 69.
وقوله تعالى (شفاء) بالتنكير يدل على التبعيض، وأنه شفاء لبعض الأدواء، لا أنه شفاء لها كلها، ولو كان العسل فيه الشفاء لكل الأمراض ما خلق الله دواء آخر غيره!.
قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -:
" وقوله: (فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ) أي: في العسل شفاء للناس من أدواء تعرض لهم.
قال بعض من تكلم على الطب النبوي: لو قال فيه: " الشفاء للناس " لكان دواء لكل داء، ولكن قال (فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ) أي: يصلح لكل أحد من أدواء باردة؛ فإنه حار، والشيء يداوى بضده " انتهى. " تفسير ابن كثير " (4/ 582).
وانظر تفصيلاً من الإمام الطبيب ابن القيم في فوائد العسل ومنافعه في جواب السؤال رقم: (9691).
وبعض المرضى يتناول جرعة يسيرة من عسل، ويظن أنه سيكون فيه الشفاء لمرضه، بل لأمراضه! وهذا بعيد من الشرع، والواقع، فقد يعتري هذه المعالجة أشياء تمنع من الشفاء بالعسل، ومنه:
1. أن لا يكون المرض من الأدواء التي يكون العسل سبب شفائها.
2. أن تكون الكمية المتناولة قليلة، والمرض يحتاج لما أكثر منها.
3. أو يكون العسل ليس طبيعيّاً.
4. أو يكون ذلك من باب الابتلاء؛ ليُرى صبر المريض واحتسابه، أو ليزداد الأجر والثواب له.
5. أن يكون في الجسم من الموانع ما يمنع من الاستفادة من هذا الدواء، كحال المدخن، أو الذي يشرب المسكرات.
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه: (أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَخِي يَشْتَكِي بَطْنَهُ فَقَالَ: (اسْقِهِ عَسَلًا)، ثُمَّ أَتَى الثَّانِيَةَ، فَقَالَ: (اسْقِهِ عَسَلًا)، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: (اسْقِهِ عَسَلًا)، ثُمَّ أَتَاهُ، فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، فَقَالَ: (صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ اسْقِهِ عَسَلًا) فَسَقَاهُ فَبَرَأَ) رواه البخاري (5360) ومسلم (2217).
(يشتكي بطنه)، أي: من ألمٍ أصابه بسبب إسهال حصل له.
(صدق الله) يعني في قوله تعالى: (يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس) النحل/ 69.
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله –: " معنى (كذب بطنه) أي: لم يصلح لقبول الشفاء، بل زلَّ عنه، وقد اعترض بعض الملاحدة، فقال العسل مسهل فكيف يوصف لمن وقع به الإسهال؟ والجواب: أن ذلك جهل من قائله، بل هو كقوله تعالى (بل كذَّبوا بما لم يحيطوا بعلمه)، فقد اتفق الأطباء على أن المرض الواحد يختلف علاجه باختلاف السنِّ، والعادة، والزمان، والغذاء المألوف، والتدبير، وقوة الطبيعة، ... .ولا شيء في ذلك مثل العسل، لا سيما إن مزج بالماء الحار، وإنما لم يفده في أول مرة: لأن الدواء يجب أن يكون له مقدار، وكمية، بحسب الداء، إن قصُر عنه: لم يدفعه بالكلية، وإن جاوزه أوهى القوة، وأحدث ضرراً آخر، فكأنه شرب منه أولاً مقداراً لا يفي بمقاومة الداء، فأمره بمعاودة سقيه، فلما تكررت الشربات بحسب مادة الداء: برأ بإذن الله تعالى.
¥