تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فانظر كيف خفي على هذا البدريّ (رضي الله عنه) حكم هذه الآية لمّا لم يكن

يعلم سبب نزولها؟ وكيف لم تكن مشكَلة عند من علم سبب نزولها؟ فنزلها منزلتها، وبيّن معناها.

2 - أنهم عرفوا أحوال من نزل فيهم القرآن:

يقول الشاطبي في بيان أهمية معرفة الأحوال في التفسير: (ومن ذلك:

معرفة عادات العرب في أقوالها وأفعالها ومجاري أحوالها حالة التنزيل، وإن لم

يكن ثَمّ سبب خاص، لا بدّ لمن أراد الخوض في علم القرآن منه، وإلا وقع في

الشّبه والإشكالات التي يتعذّر الخروج منها إلا بهذه المعرفة) [7].

أ -ومن الأمثلة التي تدلّ على أهمية معرفة أحوالهم في التفسير: ما رواه

البخاري في تفسير قوله (تعالى):] لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ .. [[البقرة: 198] عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: (كانت عُكاظٌ ومجنّةٌ

وذو المجاز أسواقاً في الجاهلية، فتأثّموا أن يَتّجِروا في المواسم، فنزلت] لَيْسَ

عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ .. [في مواسم الحج) [8].

أ- ومثله ما رواه البخاري عن عائشة (رضي الله عنهما) قالت: (كانت

قريش ومن دَانَ دينها يقفون المزدلفة، وكانوا يسمّون الحُمْسُ، وكان سائر العرب

يقفون بعرفات، فلما جاء الإسلام أمر الله نبيّه -صلى الله عليه وسلم- أن يأتي

عرفات، ثُمّ يقفَ بها، ثُمّ يُفِيِضَ منها، فذلك قوله (تعالى):] ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ

أَفَاضَ النَّاسُ .. [[البقرة: 199] [9].

أ- ومثله ما رواه البخاري عن ابن المنكدر، قال: (سمعت جابراً (رضي الله

عنه) قال: كانت اليهود تقول: (إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول، فنزلت

] نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَاًتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ .. [) [10].

3 - أنهم أهل اللسان الذي نزل به القرآن:

لما كان القرآن نزل بلغتهم، فإنهم أعرف به من غيرهم، وهم في مرتبة

الفصاحة العربية، فلم تتغيّر ألسنتهم، ولم تنزل عن رتبتها العليا في الفصاحة،

ولذا فَهُم أعرف من غيرهم في فهم الكتاب والسنة، فإذا جاء عنهم قول أو عمل

واقع موقع البيان صحّ اعتماده من هذه الجهة [11].

كما أن ما نقل عنهم من كلام أو تفسير فإنه حجّة في اللغة، وفيه بيان لصحّة

الإطلاق في لغة العرب، قال ابن حجر: (استشكل ابن التين قوله [12]: (ناساً

من الجن) من حيث إن الناس ضدّ الجنّ.

وأجيب بأنه على قول من قال: إنه من نَاسَ: إذا تحرك، أو ذُكر للتقابل،

حيث قال: (ناس من الناس)، (وناساً من الجن) ويا ليت شعري، على من

يعترض؟!) [13].

4 - حسن فهمهم:

إن من نَظَرَ في أقوال الصحابة في التفسير متدبراً لهذه الأقوال، ومتفهماً

لمراميها، وعلاقتها بتفسير الآية، فإنه سيتبيّن له ما آتاهم الله من حسن البيان عن

معاني القرآن، من غير تكلّفٍ في البيان، ولا تعمّق في تجنيس الكلام، بل تراهم

يُلْقون الألفاظ بداهة على المعنى، فتصيب منه المراد.

وكان مما عزّز لهم حسن الفهم: ما سبق ذكره من الأسباب التي دعت إلى

الرجوع إلى تفسيرهم من: مشاهدة التنزيل، ومعرفة أحوال من نزل فيهم القرآن،

وكونهم أصحاب اللسان الذي نزل به القرآن، مع ما لهم من معرفة بأحوال صاحب

الشريعة -صلى الله عليه وسلم-، مما كان يعينهم على فهم المراد وحسن الاستنباط، قال ابن القيم: (قال الحاكم أبو عبد الله، في التفسير من كتاب المستدرك: ليعلم

طالب هذا العلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل، عند الشيخين

حديث مسند) [14].

وقال في موضع آخر من كتابه: (هو عندنا في حكم المرفوع) [15].

وهذا وإن كان فيه نظرٌ، فلا ريب أنه أولى بالقبول من تفسير من بعدهم،

فهم أعلم الأمة بمراد الله (عز وجل) من كتابه؛ فعليهم نزل، وهم أول من خوطب

به من الأمة، وقد شاهدوا تفسيره من الرسول -صلى الله عليه وسلم- علماً وعملاً، وهم العرب الفصحاء على الحقيقة، فلا يُعدَلُ عن تفسيرهم ما وجد إليه

سبيل) [16].

إن هذه المزيّة تُوجِبُ على دارسِ التفسير أن يرجع إلى أقوالهم، وأن يَفْهَم

تفسيراتِهم، ليَعْتَمِد عليها في التفسير، ويبنيَ عليها مسائل الآيات وفوائدها.

غير إن كثيراً ممن يَدْرُسُ التفسير أو يُدَرّسُه لا يهتم بإيراد أقوال

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير