تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مستطرداً عند قول الله عز وجل من سورة النور:] وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ [الآية، قال: «والواو في] يَدْخُلُونَهَا [شاملة للظالم والمقتصد والسابق على التحقيق، ولذا قال بعض أهل العلم: حُق لهذه الواو أن تكتب بماء العينين، فوَعْده الصادق بجنات عدن لجميع أقسام هذه الأمة - وأولهم الظالم لنفسه - يدل على أن هذه الآية من أرجى آيات القرآن، ولم يبق من المسلمين أحد خارج عن الأقسام الثلاثة، فالوعد الصادق بالجنّة في الآية شامل لجميع المسلمين، ولذا قال بعدها متصلاً بها:] وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ [إلى قوله:] فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ [».

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يُدخل اللهُ أهلَ الجنَّة الجنَّة، يُدخلُ مَن يشاء برحمته، ويُدخل أهلَ النار النار، ثم يقول: انظروا مَن وجدتُم في قلبه مثقال حبَّة من خردل من إيمان فأخرجوه، فيُخرَجون منها حُمَماً قد امتُحشوا، فيُلْقَون في نهر الحياة أو الحيا، فيَنبتُون فيه كما تنبُت الحبَّة إلى جانب السَّيل، ألَم تروها كيف تخرج صفراء مُلتوية؟» رواه البخاري (22) ومسلم (457) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لكلِّ نَبِيٍّ دعوةٌ مستجابة، فتعجَّلَ كلُّ نَبِيٍّ دعوتَه، وإنِّي اختبأتُ دعوتِي شفاعة لأمَّتِي يوم القيامة، فهي نائلةٌ إن شاء الله مَن مات من أمَّتِي لا يُشرك بالله شيئاً» رواه البخاري (6304)، ومسلم (338) - واللفظ له - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وأحاديثُ الشفاعة في خروج العُصاة من النار متواترةٌ.

وقال ابن القيم في كتابه الوابل الصيب (ص: 49): «ولما كان الناس على ثلاث طبقات: طيِّب لا يشينه خبث، وخبيث لا طيب فيه، وآخرون فيهم خبث وطيب كانت دورهم ثلاثة: دار الطيِّب المحض، ودار الخبيث المحض، وهاتان الداران لا تفنيان، ودار لمن معه خبث وطيب، وهي الدار التي تفنى، وهي دار العصاة، فإنه لا يبقى في جهنم من عصاة الموحدين أحد، فإنهم إذا عذِّبوا بقدر جزائهم أُخرجوا من النار فأُدخلوا الجنّة، ولا يبقى إلاّ دار الطيِّب المحض، ودار الخبيث المحض».

بيان سفاهة عقول الذين يعبدون مع الله غيره

إن كل إنسان منحه الله عقلاً سليماً وفهماً مستقيماً يعلم يقيناً أن منتهى السفه وأشد الجهل وأقبح الحمق وأعظم الإجرام أن يعمد مخلوق إلى مخلوق مثله كان عدماً فأوجده الله فيجعله شريكاً لله في العبادة، وقد بيَّن الله عز وجل في كتابه العزيز أن المشركين شر الدواب ونفى عنهم العقل، فقال:] إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ [[الأنفال: 22]، وقال:] إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ [[الأنفال: 55]، وأخبر أنهم شر البرية، فقال:] إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّة [[البينة: 6]، وقد جاء في القرآن الكريم آيات كثيرة توضح ألوان سفه من عبد مع الله غيره، قال الله عز وجل:] وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِين [[البقرة: 130]، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: «يقول تبارك وتعالى رداً على الكفار فيما ابتدعوه وأحدثوه من الشرك بالله المخالف لملّة إبراهيم الخليل إمام الحنفاء، فإنه جرَّد توحيد ربه تبارك وتعالى، فلم يدعُ معه غيره ولا أشرك به طرفة عين، وتبرَّأ من كل معبود سواه، وخالف في ذلك سائر قومه حتى تبرَّأ من أبيه» ثم أورد جملة من الآيات في ذلك، وقال: «فمن ترك طريقه هذا ومسلكه وملّته واتبع طرق الضلالة والغي فأي سفه أعظم من هذا؟! أم أي ظلم أكبر من هذا كله؟! كما قال تعالى:] إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [».

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير