تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإذا كانت هذه حال أحد أشباه العلماء ممن انتسب إلى العلم وشغل نفسه بالتأليف، فكيف تكون حال العوام الذين لا يقرؤون ولا يكتبون وهم يرون من أشباه العلماء من يكون لهم قدوة سيئة، ويسمعون عنهم مثل هذه الحكايات المضحكات المبكيات؟! وصدق ابن كثير رحمه الله في قوله الوجيز: «وأصل عبادة الأصنام من المغالاة في القبور وأصحابها، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتسوية القبور وطمسها، والمغالاة في البشر حرام».

ودعاء أصحاب القبور والاستغاثة بهم وسؤالهم قضاء الحاجات وكشف الكربات، وكذا دعاء الغائبين من الإنس والجن والملائكة شرك مخرج من الملّة؛ لأن فيه صرف حق الله إلى غيره، وقد قال الله عز وجل:] وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [[الجن: 18]، وروى الترمذي في جامعه (2969) وقال: «هذا حديث حسن صحيح» عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:] وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [، قال: «الدعاء هو العبادة، وقرأ:] وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [إلى قوله] دَاخِرِينَ [»، ومن كانت هذه حاله فهو كافر إن قامت عليه الحجة، ومَن لم تقم عليه تُوقف في تكفيره وأمره إلى الله وقد تكون حاله حال أهل الفترات الذين لم تبلغهم الرسالات وهم يُمتحنون يوم القيامة، وبعد الامتحان ينتهون إلى الجنة أو إلى النار، وقد أورد ابن كثير في تفسيره لقول الله عز وجل:] وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [جملة من الأحاديث في ذلك، وقال: «إن أحاديث هذا الباب منها ما هو صحيح كما قد نص على ذلك غير واحد من أئمة العلماء، ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو ضعيف يقوى بالصحيح والحسن، وإذا كانت أحاديث الباب الواحد متعاضدة على هذا النمط أفادت الحجة عند الناظر فيها».

وقد أوردت في تقديمي لكتابَي «تطهير الاعتقاد» و «شرح الصدور» للصنعاني والشوكاني المطبوعة ضمن مجموع كتبي ورسائلي (4/ 337) جملة من أقوال أهل العلم في حكم مَن قامت عليه الحجة ومن لم تقم عليه، ومنها قول شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: «كذلك التوسل بالأولياء قسمان: (الأول): التوسل بجاه فلان أو حق فلان، هذا بدعة وليس كفراً، التوسل الثاني: هو دعاؤه بقوله: يا سيدي فلان انصرني أو اشف مريضي، هذا هو الشرك الأكبر وهذا يسمونه توسلاً أيضاً، وهذا من عمل الجاهلية، أما الأول فهو بدعة، ومن وسائل الشرك، قيل له: وقولهم: إنما ندعوه لأنه ولي صالح وكل شيء بيد الله وهذا واسطة، قال: هذا عمل المشركين الأولين، فقولهم: مدد يا بدوي، مدد يا حسين، هذا جنس عمل أبي جهل وأشباهه، لأنهم يقولون:] مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [[الزمر: 3]،] هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ [[يونس: 18]، هذا الدعاء كفر وشرك بالله عز وجل، لكن اختلف العلماء هل يكفر صاحبه أم ينتظر حتى تقام عليه الحجة وحتى يبيَّن له، على قولين: أحدهما: أن من قال هذا يكون كافراً كفراً أكبر لأن هذا شرك ظاهر لا تخفى أدلته، والقول الثاني: أن هؤلاء قد يدخلون في الجهل وعندهم علماء سوء أضلّوهم، فلابد أن يبين لهم الأمر ويوضح لهم الأمر حيث يتضح لهم، فإن الله قال:] وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [[الإسراء: 15]، فإذا وضح لهم الأمر وقال لهم: هذا لا يجوز، قال الله كذا وقال الرسول كذا، بيّن لهم الأدلة، ثم أصرّوا على حالهم، كفروا بهذا، وفي كل حال فالفعل نفسه كفر شرك أكبر، لكن صاحبه هو محل نظر هل يكفر أم يقال: أمره إلى الله، قد يكون من أهل الفترة لأنه ما بيّن له الأمر فيكون حكمه حكم أهل الفترات، أمره إلى الله عز وجل، لأنَّه بسبب تلبيس الناس عليه من علماء السوء».

وكلامه هذا في كتاب «سعة رحمة رب العالمين» لسيد بن سعد الدين الغباشي (ص: 77) مأخوذ من شريط مسجل، وفي أوله صورة رسالة من الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله للمؤلف بتاريخ 7/ 5/1403هـ تتضمن الإذن بطبع الرسالة بناء على تقرير الجهة المختصة في رئاسة البحوث العلمية والإفتاء، والغالب على الظن ـ إن لم يكن يقيناً ـ أن الشيخ رحمه الله قرئ عليه هذا الكلام المعزوّ إليه فيه فأقرَّه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير