أنه قد نقل عن الجهم نفسِه إثباتُ بعض الإطلاقات على الباري، كتسميته قادراً ونحو ذلك، تبين أن الفرق بين الفريقين قد لا يكون كبيراً، والله تعالى أعلم.
بيان رد السلف عليهم، وتكفيرهم لمقالتهم.
اشتد نكير السلف-منذ القرون الأولى-على القائلين بأن أسماء الله مخلوقة من المعتزلة.
روى الخلال عن الميموني أنه قال للإمام أحمد: ما تقول فيمن قال: إن أسماء الله عز وجل محدثة؟ فقال: كافر. ثم قال لي: (الله) من أسمائه، فمن قال إنها محدثة فقد زعم أن الله تبارك تعالى مخلوق. فأعظم أمرهم عنده، وجعل يكفرهم، وقرأ علي: {الله ربكم ورب آبائكم} [19].
وقال إسحاق بن راهويه: «أفضوا إلى أن قالوا: أسماء الله مخلوقة، لأنه كان ولا اسم، وهذا الكفر المحض؛ لأن لله الأسماء الحسنى، فمن فرق بين الله وبين أسمائه وبين علمه ومشيئته فجعل ذلك مخلوقا كله والله خالقها فقد كفر» [20].
وقد كفر جمعٌ من الأئمة من قال إن أسماء الباري سبحانه مخلوقة، ومنهم: الإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل، واسحاق بن راهويه، عثمان بن سعيد الدارمي، ونعيم بن حماد، ومحمد بن اسلم الطوسي، ومحمد بن جرير الطبري وابن خزيمة، وغيرهم [21].
ومن الحجج التي احتج بها السلف عليهم:
1 - قول الله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)} [سورة الحج 22/ 36]
فالله تبارك وتعالى أمر أن يذكر اسمه على البدن حين نحرها للتقرب إليه.
وعلى مذهب المبتدعة لو ذكر اسم زيد أو عمرو أو اللات والعزى يجيزه لأن هذه الأسمء مخلوقة وأسماء الله عز وجل عندهم مخلوقة [22].
2 - أنه جاء في عدد من النصوص التعويذ باسم الله وبكلماته، والاستعانة بها، وتسبيح الاسم، والرقية والاستعانة لا تكون بمخلوق، كما لا يكون التسبيح لمخلوق [23].
3 - اتفاق الفقهاء على أن من حلف باسم من أسماء الله فحنث فعليه الكفارة، ومن حلف بالمخلوق-كالكعبة والصفا والمروة- فلا كفارة عليه، مما دل على أن أسماء الله غير مخلوقة، فيلزم هؤلاء المعتزلة أنه لو حلف كاذباً بالله الذي لا إله إلا هو أنه لا يحنث، كما أن الشارع قد نهى عنه الحلف بغير الله، كالكعبة ونحوها، فقال ‘: ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك))، وذلك أن غير الله مخلوق، ولا يجوز الحلف بالمخلوق، مما دل على أن أسماء الله غير مخلوقة.
كما يلزم المعتزلة إذا أرادوا أن يقولوا لا إله إلا الله أن يقولوا: لا إله إلا الذي خلق الله وإلا لم يصح توحيدهم، وهذا لا شك في بطلانه [24].
4 - إلزامهم فيما أثبتوه بنظير الحكم فيما نفوه، وهذه من طرق الإمام أحمد في الرد عليهم، حيث إنهم يزعمون الإقرار بعلم الله تعالى، ويقولون إن الاسم مخلوق، فيلزمهم في العلم ما التزموه في الاسم؛ لأن الاسم قد أضيف إلى الله كما أن العلم قد أضيف إلى الله، فيقال لهم: أنتم تقولون إن الاسم مخلوق حادث، بمعنى أنه تعالى قبل أن يخلق الاسم كان ولا اسم له، فيلزمكم أنه قد كان جاهلاً لا يعلم حتى خلق لنفسه علماً، وكان ولا نور له حتى خلق لنفسه نوراً، وكان ولا قدرة له حتى يخلق لنفسه قدرة، وهذا بيُّن البطلان، وهذا من الجواب بالنقض، وهو قريب من قلب الدليل، حيث إن إقرارهم بالعلم صار حجة عليهم في إبطال ما قالوا به في الاسم [25].
5 - كما أن هذه الدعوى يكفي تأملها في بيان بطلانها، فإن حقيقة دعواهم «أن الله كان مجهولاً، كشخص مجهول، لا يهتدي لاسمه، ولا يدرى ما هو، حتى خلق الخلق، فابتدعوا له أسماء من مخلوق كلامهم، فأعاروها إياها، من غير أن يعرف له اسم قبل الخلق، ومن ادعى هذا التأويل فقد نسب الله تعالى إلى العجز والوهن والضرورة والحاجة إلى الخلق، لأن المستعير محتاج مضطر، والمعير أبداً أعلى منه وأغنى،ففي هذه الدعوى استجهال الخالق إذ كان بزعمهم هملاً لا يدرى ما اسمه وما هو وما صفته، والله المتعالي عن هذا الوصف» [26].
¥