تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[شرك المحبة]

ـ[عبدالله عبدالعزيز]ــــــــ[17 - 05 - 08, 02:20 م]ـ

[شرك المحبة]

* بقلم / وليد بن حمد المرزوقي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:

فمن المخالفات العقدية الخفية والمنتشرة عند كثير من المسلمين: تقديم محاب غير الله - عز وجل- ومراضيه على محاب الله ومراضيه، ولهذا الخلل الفتاك، مظاهر عديدة تطفح على واقع الناس، منها على سبيل المثال لا الحصر:-

1. ترك الإستقامة على الدين أو بعض شرائعه إرضاءً لزوج أو ابن، أو غيرهما، فكم من صالح ترك صلاحه، ومن مستقيم على طاعة الله ترك طاعته، ومن مجاهد ترك جهاده نزولاً عند رغبة زوج أو ابن أو غيرهما.

2. تقديم حب المال على معصية الله فيه، حيث يتهاون كثير من المسلمين خاصة في زمن الأسهم في الدخول في تعاملات مشبوهة أو محرمة تحريماً قاطعاً ينقلها إلى باب الكبائر، من دون مراعاة لجناب الله ومحبته، ولو كانت محبة الله قد استقرت في قلوب أولئك، لما خطر على قلب أحدهم خاطر كهذا فضلاً عن ارتكابه.

3. تقديم محاب الأبناء على محاب الله، كمن يغض الطرف عن عصيان أبنائه أو يساعدهم عليها تقديماً لحبهم على حب الله، وما أكثر ما يساعد بعض الآباء ابنه على سياحة فسق ومجون، من غير تذكير أو نصح أو تحذير له عن الوقوع في الرذائل، وملابسة الكبائر!، وما ذلك إلا مراعاة وتقديماً لحب هذا الابن على حب الله، وغير ذلك كثير ...

وقد جاءت النصوص القواطع دالة على وجوب تقديم محاب الله على محاب خلقه معتبرة مخالفة ذلك آية على شرك العبد شرك محبة، ومن ذلك:-

1. قوله تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فتبعوني يحببكم الله} [آل عمران:31]

قال الطبري في تفسيره: تأويل الآية: قل يا محمد للوفد من نصارى نجران: إن كنتم كما تزعمون أنكم تحبون الله وأنكم تعظمون المسيح وتقولون فيه ما تقولون حبا منكم ربكم فحققوا قولكم الذي تقولونه إن كنتم صادقين باتباعكم إياي فإنكم تعلمون أني لله رسول إليكم كما كان عيسى رسولا إلى من أرسل إليه فإنه إن اتبعتموني وصدقتموني على ما أتيتكم به من عند الله يغفر لكم ذنوبكم فيصفح لكم عن العقوبة عليها ويعفو لكم عما مضى منها فإنه غفور لذنوب عباده المؤمنين رحيم بهم وبغيرهم من خلقه. [تفسير ابن جرير:3/ 231]

وقال ابن كثير: هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله وأحواله، قال الحسن البصري وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الاية فقال {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} إهـ بتصرف [تفسير القرآن العظيم:1/ 477]

2. وقوله تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب}

قال الطبري – رحمه الله-: يعني تعالى ذكره بذلك: أن من الناس من يتخذ من دون الله أندادا له وأن الذين اتخذوا هذه الأنداد من دون الله يحبون أندادهم كحب المؤمنين الله ثم أخبرهم أن المؤمنين أشد حبا لله من متخذي هذه الأنداد لأندادهم فمعنى الآية إذاً ومن الناس من يتخذ أيها المؤمنون من دون الله أندادا يحبونهم كحبكم الله. [تفسير ابن جرير:2/ 71]

وقال ابن كثير: يذكر تعالى حال المشركين به في الدنيا وما لهم في الدار الآخرة حيث جعلوا له أندادا أي أمثالاً ونظراء يعبدونهم معه ويحبونهم كحبه وهو الله لا إله إلا هو ولا ضد له ولا ند له ولا شريك معه. [تفسير القرآن العظيم:1/ 275]

3. وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به " [قال النووي في أربعينه: هذا حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح].

4. وعن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين} [أخرجه البخاري:14 ومسلم:69].

أي لا يؤمن الإيمان الواجب والمراد كماله حتى يكون الرسول أحب إلى العبد من ولده ووالده والناس أجمعين بل ولا يحصل هذا الكمال إلا بأن يكون الرسول أحب إليه من نفسه كما في الحديث: أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شئ إلا من نفسي فقال: {والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك} فقال له عمر: فإنك الآن أحب إلي من نفسي فقال: {الآن يا عمر}. [رواه البخاري:6257]

قال شيخ الاسلام ابن تيمية –رحمه الله-:فمن قال إن المنفي هو الكمال فإن أراد الكمال الواجب الذي يذم تاركه ويعرض للعقوبة فقد صدق وإن أراد أن المنفي الكمال المستحب فهذا لم يقع قط في كلام الله ورسوله صلى الله عليه. [الفتاوى:7/ 15]

والخلاصة: أن تقديم محاب غير الله على محابه ثلمة في التوحيد، لما تقدم من الدلائل الجلية، على هذه المسألة الخفيَّة.

وبما أن الأمر كذلك والعبد إن لم ينقذ نفسه من شَرَكِه فهو لا محالة هالك، كان حري بالكيس الفطن أن يطهر باطنه من هذا الدنس، ويملأه بمحبة ربه تعالى، قبل أن يفجأه الموت وقلبه مائل إلى غيرالله تعالى فتميل به ذنوبه إلى جهنم وساءت مصيراً.

اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقربنا إلى حبك، والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

*/ المحكمة الشرعية - المذنب

6/ 7/1428

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير