[تقسيم الدين إلى قشر ولباب]
ـ[عبدالله عبدالعزيز]ــــــــ[18 - 05 - 08, 11:07 ص]ـ
* بقلم / وليد بن حمد المرزوقي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
من الأخطاء العقدية عبارة: الدين لب وقشور.
ويقصد بها: أن شرائع الإسلام منها ماهو أصل ومنها ماهو فضلة وقشر، ونظيرها تقسيم الدين إلى ظاهر وباطن، وأصل وفرع. فحسن الظن بالمسلمين والتحاب بينهم ونبذ العداوات لب وأصل، وتوفير اللِّحى، وتقصير الثوب، والمنع من كتابة (الله ـ محمد) في الجدر والألواح ... قشر!
وهذا اللفظ يورد في سياق التقليل من شأن الشرائع المتعلقة بالظاهر، وأن مخالفة الأمر فيها يسير ولا يضر بدين المرء، فهو بالخيار إن شاء امتثل وإن شاء خالف، ولا شك أن مما يذكرونه من قبيل اللباب هو من أصول الدين ومقاصده.
ولكن أصل هذا التقسيم واعتبار بعض العبادات الظاهرة قشر، فيه نظر، حيث يلزم منه جعل بعض الشرائع بمنزلة القشر الذي لا فائدة منه بل يرمى بعد استعماله! ولا ريب أن هذا التقسيم بدعة منكرة، ظهرت قبل زمن ثم نامت، وهاهي تطل بقرنها مؤذنة بطي سنن وشرائع، جاء الشرع باعتبارها ومراعاتها. وتتلون القوالب التي يركبها هؤلاء في تقرير شبهتهم ..
فمنهم من يبرر الدعوة إلى ذلك بجمع كلمة المسلمين لأن التمسك بالقشور يوجب التفرق بزعمهم.
وآخر يلوي أعناق النصوص ليثبت أن هذه الشرائع أو بعضها ليست عزائم، بل هي من قبيل السنن والفضائل.
وآخر يتذرع بالخلاف الواقع فيها أو في كثير منها ليبرهن على صحة دعواه ... وهكذا.
وقد تظافرت نصوص الوحيين، وفهوم السلف الصالح على نسف هذه الشبهة، وأن عظم العبادة وعكسه راجع إلى الكتاب والسنة، وإلى درجة الأمر والنهي.
فقد يكون الأمر مؤكَّداً وعدم امتثاله كفر كالأمر بالصلاة، وقد يكون مؤكَّداً وعدم امتثاله كبيرة كالأمر بطاعة الوالدين.
وقد يكون أمراً مجرداً وعدم امتثاله محرم، وهذا شأن كثير من الأوامر والقرب وهو ما يعبر عنه الأصوليون فيقولون: الواجب (هو ما يثاب فاعله امتثالاً ويستحق العقاب تاركه)
وقد يكون مستحباً كالأمر بالسواك وغيره، وكذا النهي.
والمقصود هنا بيان أن مراتب الأمر والنهي عائدة إلى الشارع لا إلى تعلق الأمر والنهي بظاهر وباطن، أو نحو ذلك. ويشهد لهذا أمور منها:-
1. قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كآفَّة) [البقرة:208]. قال ابن كثير –رحمه الله تعالى-: (يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين به المصدقين برسوله أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه، والعمل بجميع أوامره، وترك جميع زواجره ما استطاعوا من ذلك (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة) قال مجاهد: أي اعملوا بجميع الأعمال ووجوه البر) أهـ بتصرف يسير [تفسير القرآن العظيم:1/ 361]
2. قوله -عليه الصلاة والسلام-: (إذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ماستطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فا نتهوا) [البخاري: 7288، ومسلم: 1337] والشاهد من ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفرق بين الأوامر والنواهي بحسب الظاهر والباطن ولم يستثن ما كان قشراً بل أمر بالامتثال والانتهاء واستثنى في الأمر عدم الاستطاعة.
3. النهي عن لبس زي الأعاجم الخاص بهم، فقد دلت النصوص على تحريمه فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من تشبه بقوم فهو منهم) [رواه أبو داود:4031
قال شيخ الإسلام عن إسناده: هذا إسناد جيد، وصححه الألباني.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية: (وهذا الحديث أقل أحواله أنه يقتضي تحريم التشبه بهم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم كما في قوله تعالى: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) إهـ.
4. عن عبد الله ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: (لعن الله الواشمات والمتوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله) [أخرجه البخاري:4605، ومسلم:2125] وهذه نواهٍ تتعلق بالظاهر ومع ذلك ورد فيها هذا الوعيد الشديد واعتبرها أهل العلم من الكبائر. وقد تقرر عند المحققين من أهل العلم ارتباط الظاهر بالباطن، وأن للأول تأثير في الآخر طرداً وعكساً، وإن كان ذلك مما قد لايشعر به الإنسان في نفسه، ولكن قد يراه في غيره،
فالتشبه بالكفار في الظاهر يورث تشبهاً بهم في الباطن ... ثم لو سلًّمنا جدلاً في تسمية بعض الشرائع قشراً، أفليس القشر يحفظ اللب فيكون واجباً!؛ لأن ما لايتم الواجب إلا به فهو واجب!. لاشك أنهم غفلوا عن ذلك، وإلا لبحثوا عن تعبير آخر؛ لأنهم يصرحون بالتقليل من شأن بعض العبادات و المأمورات وبهذا نعرف أن تقسيم الدين إلى لب وقشر بدعة منكرة وخطأ فادح، لايجوز استعماله،
ويجب على المسلمين أن يحذروه ويحذِّروا منه؛ لأنه خطوة شيطانية لتنحية بعض الشرائع وطمس بعض المعالم. اللهم ثبتنا على الحق ولا تجعله ملتبسا علينا فنظل،، والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
*/ المحكمة الشرعية - المذنب
8/ 5/1428
من المراجع:-
1. تبصير أولي الألباب ببدعة تقسيم الدين إلى قشر ولباب. تأليف: محمد بن أحمد إسماعيل.
2. فتاوى ابن باز وابن عثيمين – رحمهما الله تعالى-.