تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً والله سبحانه وتعالى قد عاب في كتابه من يدعو من لا يستجيب له دعاءه فقال تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} 1 هذا مع أن الأصنام موجودة وكان يكون بها أحياناً شياطين تترائى لهم وتخاطبهم ومن خاطب معدوماً كانت حالته أسوأ من حال من خاطب موجوداً وإن كان جماداً فمن دعا المنتظر الذي لم يخلقه الله كان ضلاله أعظم من ضلال هؤلاء، وإذا قال أنا أعتقد وجوده كان بمنزلة قول أولئك نحن نعتقد أن هذه الأصنام لها شفاعة عند الله فيعبدون {مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ


1ـ سورة فاطر آية/13 - 14.
(3/ 1125)

وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} والمقصود أن كليهما يدعو من لا ينفع دعاؤه وإن كان أولئك اتخذوهم شفعاء آلهة وهؤلاء يقولون هو إمام معصوم فهم يوالون عليه ويعادون عليه كمولاة المشركين على آلهتهم ويجعلونه ركناً في الإيمان لا يتم الدين إلا به كما يجعل بعض المشركين آلهتهم كذلك.
ومن حماقاتهم: تمثيلهم لمن يبغضونه مثل اتخاذهم نعجة وقد تكون نعجة حمراء لكون عائشة تسمى الحميراء يجعلونها عائشة ويعذبونها بنتف شعرها بغير ذلك ويرون أن ذلك عقوبة لعائشة، ومثل اتخاذهم حلسا مملوءاً سمناً ثم يشقون بطنه فيخرج السمن فيشربونه ويقولون هذا مثل ضرب عمر وشرب دمه، ومثل تسمية بعضهم لحمارين من حمر الرحا أحدهما بأبي بكر والآخر بعمر ثم عقوبة الحمارين جعلا منهم تلك العقوبة عقوبة لأبي بكر وعمر، وتارة يكتبون أسماءهم على أسفل أرجلهم حتى إن بعض الولاة جعل يضرب رجلي من فعل ذلك ويقول إنما ضربت أبا بكر وعمر ولا أزال أضربها حتى أعدمها، ومنهم من يسمي كلابه باسم أبي بكر وعمر ويلعنهما ومنهم من إذا سمى كلبه فقيل له بكير يضارب من يفعل ذلك ويقول تسمى كلبي باسم أصحاب النار، ومنهم من يعظم أبا لؤلؤة الكافر الذي كان غلاماً للمغيرة بن شعبة لما قتل عمر ويقولون وأثارات أبي لؤلؤة فيعظمون كافراً مجوسياً باتفاق المسلمين لكونه قتل عمر رضي الله عنه.
ومن حماقاتهم: إظهارهم لما يجعلونه مشهداً فكم كذبوا الناس وادعوا أن في هذا المكان ميتاً من أهل البيت وربما جعلوه متقولاً فيبنون ذلك مشهداً وقد يكون ذلك قبر كافر أو قبر بعض الناس ويظهر ذلك بعلامات كثيرة ومعلوم أن عقوبة الدواب المسماة بذلك ونحو هذا الفعل لا يكون إلا من فعل أحمق الناس وأجهلهم، فإنه من المعلوم أنا لو أردنا أن نعاقب فرعون وأبا لهب وأبا جهل وغيرهم ممن ثبت بإجماع المسلمين أنهم من أكفر الناس مثل هذه العقوبة لكان هذا من أعظم الجهل لأن ذلك لا فائدة فيه بل إذا قتل كافر يجوز قتله أو مات
(3/ 1126)

حتف أنفه لم يجز بعد قتله أو موته أن يمثل به، فلا يشق بطنه أو يجدع أنفه وأذنه ولا تقطع يده إلا أن يكون ذلك على سبيل المقابلة ... فهؤلاء الذين يبغضونهم لو كانوا كفاراً وقد ماتوا لم يكن لهم بعد موتهم أن يمثلوا بأبدانهم لا يضربونهم ولا يشقون بطونهم ولا ينتفون شعورهم مع أن في ذلك نكاية فيهم، أما إذا فعلوا ذلك بغيرهم ظناً أن ذلك يصل كان غاية الجهل، فكيف إذا كان بمحرم كالشاة التي يحرم إيذاؤها بغير الحق فيفعلون ما لا يحصل لهم به منفعة أصلاً بل ضرر في الدين والدنيا والآخرة مع تضمنه غاية الحمق والجهل.
ومن حماقاتهم: إقامة المأتم والنياحة على من قتل من سنين عديدة ومن المعلوم أن المقتول وغيره من الموتى إذا فعل مثل ذلك بهم عقب موتهم كان ذلك مما حرمه الله ورسوله، فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال: "ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية" 1 ... وهؤلاء يأتون من لطم الخدود وشق الجيوب ودعوى الجاهلية وغير ذلك من المنكرات بعد الموت بسنين كثيرة ما لو فعلوه عقب موته لكان ذلك من أعظم المنكرات التي حرمها الله ورسوله فكيف بعد هذه المدة الطويلة، ومن المعلوم أنه قتل من الأنبياء وغير الأنبياء ظلماً وعدواناً من هو أفضل من الحسين قتل أبوه وهو أفضل منه، وقتل عثمان بن عفان وكان قتله أول الفتن العظيمة التي وقعت بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وترتب عليه من الشر والفساد أضعاف ما ترتب على قتل الحسين وقتل غير هؤلاء ومات وما فعل أحد من المسلمين ولا غيرهم مأتماً ولا نياحة على ميت ولا قتيل بعد مدة طويلة من قتله إلا هؤلاء الحمقى الذين لو كانوا من الطير لكانوا رخماً ولو كانوا من البهائم، لكانوا حمراً، ومن ذلك أن بعضهم لا يوقد خشب الطرفاء لأنه بلغه أن دم الحسين وقع على شجرة من الطرفاء ومعلوم أن تلك الشجرة بعينها لا يكره وقودها، ولو كان

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير