تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[لما طلب يوسف الخروج من السجن .. لبث فيه بضع سنين]

ـ[أبو السها]ــــــــ[19 - 05 - 08, 10:06 م]ـ

»

-المسألة الثالثة: لما تعلق يوسف بالمخلوق دام مكثه في السجن بضع سنين (أحكام القرآن لابن عربي:5/ 60)

-يقول ابن القيم: لما طلب آدم الخلود فى الجنة من جانب الشجرة عوقب بالخروج منها ولما طلب يوسف الخروج من السجن من جهة صاحب الرؤيا لبث فيه بضع سنين. (1/ 32 الفوائد)

** رد شيخ الإسلام على هذه الشبهة:

-قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " قال تعالى: (فأنساه الشيطان ذكر ربه)، قيل: أنسي يوسف ذكر ربه لما قال: (اذكرني عند ربك).

وقيل: بل الشيطان أنسى الذي نجا منهما ذكر ربه، وهذا هو الصواب، فإنه مطابق لقوله: (اذكرني عند ربك)، قال تعالى: (فأنساه الشيطان ذكر ربه)، والضمير يعود إلى القريب إذا لم يكن هناك دليل على خلاف ذلك؛ ولأن يوسف لم ينس ذكر ربه؛ بل كان ذاكرا لربه. وقد دعاهما قبل تعبير الرؤيا إلى الإيمان بربه، وقال لهما: (يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار. ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون)، وقال لهما قبل ذلك: (لا يأتيكما طعام ترزقانه)، أي: في الرؤيا (إلانبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما)، يعني التأويل، (ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون. واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون)، فبذا يذكر ربه عز وجل فإن هذا مما علمه ربه؛ لأنه ترك ملة قوم مشركين لا يؤمنون بالله وإن كانوا مقرين بالصانع، ولا يؤمنون بالآخرة، واتبع ملة آبائه أئمة المؤمنين - الذين جعلهم الله أئمة يدعون بأمره - إبراهيم وإسحاق ويعقوب؛ فذكر ربه ثم دعاهما إلى الإيمان بربه، ثم بعد هذا عبر الرؤيا، فقال: (يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا) الآية، ثم لما قضى تأويل الرؤيا: (وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك)، فكيف يكون قد أنسى الشيطان يوسف ذكر ربه؟

وإنما أنسى الشيطان الناجي ذكر ربه، أي الذكر المضاف إلى ربه والمنسوب إليه، وهو أن يذكر عنده يوسف.

والذين قالوا ذلك القول، قالوا: كان الأَولى أن يتوكل على الله ولا يقول اذكرني عند ربك. فلما نسي أن يتوكل على ربه جوزي بلبثه في السجن بضع سنين.

فيقال: ليس في قوله: (اذكرني عند ربك) ما يناقض التوكل؛ بل قد قال يوسف: (إن الحكم إلا لله) كما أن قول أبيه: (لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة) لم يناقض توكله، بل قال: (وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون).

وأيضا: فيوسف قد شهد الله له أنه من عباده المخلَصين، والمخلص لا يكون مخلصا مع توكله على غير الله، فإن ذلك شرك، ويوسف لم يكن مشركا، لا في عبادته ولا توكله، بل قد توكل على ربه في فعل نفسه بقوله: (وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين)، فكيف لا يتوكل عليه في أفعال عباده.

وقوله: (اذكرني عند ربك) مثل قوله لربه: (اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم)، فلما سأل الولاية للمصلحة الدينية لم يكن هذا مناقضا للتوكل، ولا هو من سؤال الإمارة المنهي عنه، فكيف يكون قوله للفتى: (اذكرني عند ربك) مناقضا للتوكل، وليس فيه إلا مجرد إخبار الملك به؛ ليعلم حاله، ليتبين الحق، ويوسف كان من أثبت الناس.

ولهذا بعد أن طلب: (وقال الملك ائتوني به)، قال: (ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم)، فيوسف يذكر ربه في هذه الحال كما ذكره في تلك.

ويقول: (ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة)، فلم يكن في قوله له: (اذكرني عند ربك) ترك لواجب ولا فعل لمحرم حتى يعاقبه الله على ذلك بلبثه في السجن بضع سنين ...

والمقصود أن يوسف لم يفعل ذنبا ذكره الله عنه، وهو سبحانه لا يذكر عن أحد من الأنبياء ذنبا إلا ذكر استغفاره منه، ولم يذكر عن يوسف استغفارا من هذه الكلمة " انتهى باختصار.

"مجموع الفتاوى" (15/ 112 - 118)

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير