دورُ الشيطان في تحرف الأديان .. دراسة مختصرة
ـ[محمد جلال القصاص]ــــــــ[21 - 05 - 08, 03:34 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
دور الشيطان في تحريف الأديان
منشأ الفكرة
تجمعت عندي أسباب كافية لإعادة قراءة السيرة النبوية من جديد، وخاصة الفترة المكية، وبالفعل أمسكت قلمي ورحت أعيد قراءة السيرة النبوية من جديد، قراءة فكرية، ترصد حركة الإيمان والكفر، كيف يتصارعان وكيف يعالجان الناس حتى يومنوا أو يكفروا، وعَرَضَ سؤالٌ: كيف بدّلت الجاهليةُ ملَّةَ إبراهيم؟
كان الجوابُ المتبادر لذهني أن السبب في ذلك هو شخص عمرو بن لحي، لأشياء ذكرتها هناك، ولم يشفِ الجوابُ صدري. ولم يغنِ قراءةُ السيرة وتراجم الرجال وكثيرٌ من كتب الأدب، فرحلتُ وفي نفسي شيء.
وكثر الحديث عن الكذاب اللئيم زكريا بطرس فقلت أسمع بعضَ أطروحاته إن أُصِبْتُ بـ (الكفِّ الذاتي) (1)، فرأيتَه يسب ويشتم ويختال، فقلت: عبدُ الصليب يختال على أرضنا وعرض نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ .. آلمني. . . أوجع قلبي فِعلُ هذا الحقير الوضيع، فنفضت يدي مما أشغلني وبرزت له مستعينا بربي.
وجاء البحث ـ أثناء الرد عليه ـ على ذات السؤال: كيف بدلت النصرانية دينها؟
الكل يتهم (بولس) (شاول) (2)، ورحت وراء (بولس) في (أنطاكية) و (غلاطية) و (كرونثوس) و (كلوسي) و (أورشليم) و (أثينا) و (روما) أنظر أحواله وهو يتعامل مع (التلاميذ) و (الفرِّيسيِّين) و (الرومان) وهو يحاور أصدقائه (تيطس) و (تيموثاوس) و (فيمبي)، فازدادت حيرتي.
قد كان حقيراً لا يقوى على تغيير ملة بأكملها، إلا أني وجدت وأنا هناك في مدن أسيا الصغرى أتتبع (بولس) شيئاً يتحركُ على مدِّ البصرِ آراه كالشبحِ ولا ينفعُ في توصيفهِ تدقيقُ النظرِ، ذكّرني بعمرِو بن لحي الخزاعي، وغيرِ عمرو بن لحي الخزاعي.
ودعني أعرض عليك:
في شرح ابن حجر العسقلاني للحديث (3259) من صحيح البخاري (3) (أن عمرو بن لحي كان له تابع من الجن يقال له أبو ثمامة فأتاه ليلة فقال: أجبْ أبا ثٌمامة، فقال: لبيك من تِهامة، فقال: ادخل بلا ملامة، فقال: ايْت سيف جُدة، تجد آلهة معدَّة، فخذها ولا تهب، وادع إلى عبادتها تجب. قال فتوجه إلى جدة فوجد الأصنام التي كانت تعبد في زمن نوح وإدريس، وهي ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، فحملها إلى مكة ودعا إلى عبادتها فانتشرت بسبب ذلك عبادة الأصنام في العرب) أ. هـ وجاء مثله في مختصر السيرة لإمام محمد بن عبد الوهاب.
وجاء في سبب عبادة قوم نوح للأصنام أن إبليس هو الذي زيّن لهم أن يصورهم (وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً)، وهو الذي قام بالصور (التماثيل) لهم، ثم هو الذي أوحى للذين جاءوا من بعدهم بعبادتهم (4).
وقبل هذا جاء إبليس في صورة غلام إلى رجل من أولاد آدم الأُول يسكن السهل وأسمعه وقومَهُ المزمار ومازال بينهم على هيئة غلامٍ أَجير حتى اتخذوا عيداً تتجمل فيه النساء للرجال ويتجمل الرجاء للنساء، ونزل رجال الجبل، وانتشرت الفاحشة، والقصة كاملة عند الطبري وغيره في تفسير قول الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [سورة الأحزاب: 33].
وفي التصور الإسلامي نجد أن الشياطين في صفِّ الكافرين ضد المؤمنين، حين الدعوة (الجدال بالتي هي أحس) وحين القتال، فصفُّ المخالفين لله ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتكون من الإنس والجن معا، هذا المعنى صريحٌ في القرآن العظيم، قال تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [سورة الأنعام: من121]، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [سورة الأنعام: 112]، وأخبر الله تعالى أن الكافرين اتخذوا الشياطين أولياء {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} [سورة الأعراف: من 30]، وأن الشياطين تؤزُّ الكافرين {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ
¥