تَؤُزُّهُمْ أَزّاً} [سورة مريم: 83]. وأن الشياطين بتسلطهم على الكافرين كانت تلقي في أسماعهم ما لم يتكلم به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [سورة الحج: 52].
ومن الناحية الحركية نجد أن الشياطين حضرت في كل الأحداث الكبرى ضد المؤمنين ... حضوراً مباشراً، في يوم (بيعة العقبة الثانية) حاول الشيطان إفشال البيعة ونادى قريشاً فتأخرت ولو أنها تعجلت لأفسدت، و كبيرهم إبليس هو الذي حرَّض قريشاً وشجعها وما زال بها حتى خرجت يوم بدر تقاتل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، قال الله تعالى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 48]، وحضر الشيطان يوم أحد يؤز الكافرين ويخدع المؤمنين وخبره مشهور معروف، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [سورة آل عمران:155].
فهذا الشيطان شاء الله أن يُظهر الفسق عن طريق الغناء على يديه، وشاء الله أن يظهر الشركُ مباشرة على يديه، في قوم نوح وفي العرب.
ما الفائدة من هذا الموضوع؟
أركز على أمرين:
الأول: الفائدة هو إعطاء الصراع مع الباطل بعداً أوسع مما هو عليه الآن، أو بالأحرى إرجاعه لوضعه الصحيح الذي كان عليه حين بدأ على يد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكل رسل الله ـ صلوات الله عليهم وتسليماته ـ، فالحركة الإسلامية لها خصوصية مطلقة في توصيف الواقع والتعامل معه، وحين نقول أن الشيطان حاضر حضورا فعلياً فإن هذا من شأنه أن نستعمل له أدواته، والله حين تحدث عن مكر (نزغ) الشياطين أخبر أن علاجه الوحيد هو الاستعاذة بالله .. اللجوء إلى الله {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [سورة الأعراف: 200]، {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [سورة فصلت: 36]، وحين ننظر للطرف الآخر على أنهم جنود الشياطين، وأن بينهم الشياطين على الحقيقة نبصر الطريق، ونعرف ماذا نركب للسفر .. وبم نستعد للنزال {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [سورة آل عمران: 120].
وتبدوا أهمية الخصوصية الشرعية في التشخيص والعلاج حين نعلم أن كثيراً من الإسلاميين يناقشون المسائل الشرعية من منطلقات دنيوية، يبحثون عن النصر بأسباب مادية يغلفونها بطلاءٍ باهت من الشريعة الإسلامية.
الثاني: إعادة قراءة النصرانية من جديد على أنها ديانة الشيطان، فهو الذي ظهر لـ (بولس ـ شاول)، هو ربه الذي كان يوحي إليه، والشواهد على ذلك كثيرة غير ما قدمت، منها أن الصليب مرتبط بإبليس، وهو عنده رمز لقطع الطريق المستقيم على عباد الله الموحدين السائرين إلى جنات النعم (5)، ومنها أن (تجسد الإله) بدعة تكررت وكان آخرها ـ لا أولها ـ تجسد الإله في شخص المسيح ـ عليه السلام ـ، ومنها أن (الصلب من أجل الفداء) ليس بجديد، ومنها أن نصرانية بولس ومن جاء بعده تتطابق كلية أو تكاد مع الوثنيات القديمة. ومنها مفردات حياة بولس التي تروى لنا لا يمكن قبولها بهذا السياق، فكيف لا يرى المسيح وقد كان معه في قرية واحدة عشرين عاماً أو يزيد، وأين هي (العربية) وماذا كان يعمل بها، وغير ذلك كثير. وقراءة من هذا النوع تقدم الكثير للحيارى من النصارى، فهي قراءة مقبولة جدا، وتريح قلوب كثيرٍ من المسلمين ممن يتكلم إليهم عباد الصليب.
محمد جلال القصاص
ظهر الجمعة 07/ 03 /1429
14/ 03 /2008
=================
(1) (الكف الذاتي) هي حالة تصيب الإنسان، يريد أن يعمل ولا يستطيع. النفس تريد والبدن لا يستطيع من إجهادٍ ونحوه.
(2) هو (شاول) المعروف عند النصارى باسم بولس (الرسول) ولد سنة 4 م في طرطوس، وتعلم في (أورشليم) حيث كان المسيح عليه السلام، ولم يسجل التاريخ أن التقى بولس المسيحَ عليه السلام، وكان من اشد أعداء تلاميذ المسيح، ثم ادعى بعد ذلك أن المسيح ظهر له وأرسله للناس رسولا، وإليه ينتسب طوائف النصارى الرئيسية اليوم، وأخباره معروفة، ذكره صاحب (أعظم مائة في التاريخ) السادس من حيث التأثير في حياة البشرية، وكلمة (شاول) وهي اسمه الحقيقي تعني طالب، وكلمة (بولس) تعني الصغير. تسمى به تواضعاً. زعم.
(3) نصّ الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أبو خزاعة» [رواه البخاري]، وخندف هي أمه وأم طابخة ومدركة (مضر) ونسب إليها وهو يمني، يقولون ولدته من رجل آخر يماني قبل أن تت.
(4) أورد القرطبي روايات صريحة تفيد تدخل إبليس مباشرة في صنع الصورة ثم تزين عبادتها بعد ذلك، والرواية عند الطبري تقول (دبَّ إليهم الشيطان)، والرواية عند ابن كثير تقول (أوحى إليهم الشيطان) وهي رواية البخاري / 4539 من رواية ابن عباس رضي الله عنهما، ولا تعارض. وانظر شرح ابن حجر العسقلاني للحديث رقم (3259) و الحديث (4539) من صحيح البخاري، وفي شرح الحديث (4539) أورد رواية ـ سكت عليها ـ من طريق عبد الرزاق أن إبليس هو الذي أخرج هذه الأصنام بعد الطوفان وبثها في الأرض.
(5) انظر ـ إن شئت ـ مقال (إبليس والصليب) للشيخ رفاعي سرور ـ حفظه الله ـ بموقع (لواء الشريعة)، وصيد الفوائد.
¥