تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإننا في هذا العصر الذي اختلطَ فيه المسلمون بالكفار، والحق بالباطل، والهدى بالضلال، والعلم بالجهل، ظهر بين أظهُرنا قومٌ يتكلمون بألسنتنا، ويتسَمَّون بأسمائنا جعلوا همهم الدفاع عن النصارى، والذود عنهم، مما جعلهم يأذنون بالكفر والضلال، المتمثل بتجويز بناء الكنائس لا سيما في جزيرة العرب، مهبط الوحي، ومنبع الرسالة، وأرض الحرمين، وديار العرب، وقاعدة الإسلام، وخلاصة المسلمين.

وقد أجمع العلماء على تحريم بناء الكنائس في البلاد الإسلامية، وعلى وجوب هدمها إذا أُحدِثَت، وعلى أنَّ بناءها في جزيرة العرب: كنجدٍ، والحجاز، وبلدان الخليج واليمن أشدُّ إثماً، وأعظمُ جُرْماً؛ لأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أمرَ بإخراج اليهود والنصارى والمشركين من جزيرة العرب، ونهى أن يجتمع فيها دينان، وتَبِعَهُ أصحابه في ذلك؛ ولأنَّ جزيرة العرب هي مهد الإسلام، ومنطلق الدعوة إليه، ومحل قِبلةِ المسلمين، فلا يجوز أن يُنشَأً فيها بيتٌ لعبادة غير الله سبحانه وتعالى، كما لا يجوز أن يُقرَّ فيها من يعبد غيره.

ولمَّا حصل التساهل في هذا الأمر العظيم، وظهر بعض الناس ممن يدعون إلى ما يُسمى بحرية الأديان، وتكلم بعض شيوخ الضلالة في ما يُسَمُّونه بـ «حرية العقيدة» الذي يُريدون منه الإذن ببناء الكنائس ومعابد الشرك والوثنية، رأيتُ أن أوضح الحق بما وردَ عن سيد الخلق، وأصحابه الكرام وأئمة الإسلام العظام في هذه المسألة، التي مرجِعُها إلى الشرع لا إلى الأهواء والنفوس المريضة، ولا إلى ميثاق الأمم المتحدة ولا إلى غير ذلك.

فأقول وبالله أصول وأجول:

وردت أحاديث وآثار كثيرة في المنع من بناء الكناس، ووجوب هدمها فمن ذلك ما رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُحدثُوا كنسية في الإسلام ولا تُجَدِّدُوا ما ذَهَب منها».

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تكونُ قِبْلَتَانِ في بلدٍ واحِدٍ» رواه أبو داود وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «إسناده جيد».

ورواه الترمذي بلفظ: «لا تَصْلُحُ قِبلتانِ في أرضٍ واحِدَةٍ».

وعن سَمُرَةَ بن جندب رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن جَامَعَ المُشْرِك وَسَكَنَ مَعَهَ فإنَّه مِثلَهُ» رواه أبو داود.

قال بعض أهل العلم: «رواه أبو الشيخ عن أنس رضي الله عنه ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تُسَاكِنُوا المشركينَ ولا تُجَامِعُوهم فَمنْ سَاكَنَهُم أو جامعهم فَهو مِثلُهم» والكتابي يسمى مشركاً فالحديث على ذلك يشمله عنده فيستدل به على تحريم مساكنته».

ثم قال: «والمساكنة إن أُخِذَت مطلقة في البلد يلزَم أن لا يكون لهم في تلكَ البلدِ كَنِيسةٌ؛ لأنَّ الكنيسة إنما تبقى لهم بالشرط إذا كانوا فيها» اه.

وروى الإمام مالك في «موطئه» تحت باب: «ما جاء في إجلاء اليهود من المدينة» أنَّ عمر بن عبد العزيز كان يقول «كان مِن آخر مَا تَكَلَّم بهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أن قال: «قاتَلَ الله اليهودَ والنَّصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لا يَبْقَيَنَّ دينان بأرض العرب». ورَوَى مالكٌ أيضاً أنه قال: «لا يجتمع دينان بجزيرة العرب».

قال مالك: قال ابن شهاب فَفَحَصَ عن ذلك عمر بن الخطاب حتى أتاه اليقين أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب» فأَجْلَى يهود خيبر».

قال الإمام مالك: «وقد أجلى عمر بن الخطاب يهود نجران وفَدَك. فأما يهود خيبر فخرجوا منها ليس لهم مِن الثَّمَر ولا مِن الأرض شيءٌ. وأمَّا يهود فَدَك فكان لهم نِصفُ الثَّمر ونصفُ الأرض؛ لأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان صالَحَهُمْ على نِصْفِ الثمر ونصف الأرض قيمة من ذهب ووَرِقٍ، وإبل وحِبَال و أقْتَابٍ ثم أعطاهم القيمة ثم أجلاهم منها» اه.

وأما قوله «أرض العرب» و «جزيرة العرب» فهي كما قال الأصمعي: «جزيرة العرب من أقصى عدن أبين إلى ريف العراق في الطول , وأما في العرض فمن جدة وما والاها من سائر البحر إلى أطراف الشام».

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير