وروى الإمام مالك في «موطئه» تحت باب: «ما جاء في إجلاء اليهود من المدينة» أنَّ عمر بن عبد العزيز كان يقول «كان مِن آخر مَا تَكَلَّم بهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أن قال: «قاتَلَ الله اليهودَ والنَّصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لا يَبْقَيَنَّ دينان بأرض العرب». ورَوَى مالكٌ أيضاً أنه قال: «لا يجتمع دينان بجزيرة العرب».
قال مالك: قال ابن شهاب فَفَحَصَ عن ذلك عمر بن الخطاب حتى أتاه اليقين أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب» فأَجْلَى يهود خيبر».
قال الإمام مالك: «وقد أجلى عمر بن الخطاب يهود نجران وفَدَك. فأما يهود خيبر فخرجوا منها ليس لهم مِن الثَّمَر ولا مِن الأرض شيءٌ. وأمَّا يهود فَدَك فكان لهم نِصفُ الثَّمر ونصفُ الأرض؛ لأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان صالَحَهُمْ على نِصْفِ الثمر ونصف الأرض قيمة من ذهب ووَرِقٍ، وإبل وحِبَال و أقْتَابٍ ثم أعطاهم القيمة ثم أجلاهم منها» اه.
وأما قوله «أرض العرب» و «جزيرة العرب» فهي كما قال الأصمعي: «جزيرة العرب من أقصى عدن أبين إلى ريف العراق في الطول , وأما في العرض فمن جدة وما والاها من سائر البحر إلى أطراف الشام».
ومن الأحاديث التي تمنع إقامة الكنائس، ما رواه الإمام أحمد قال: ثنا حماد بن خالد الخياط أخبرنا الليث بن سعد عن توبة بن نمر الحضرمي قاضي مصر عمن أخبره قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا خِصَاء في الإسلام ولا كنيسة».
قال بعضُ أهل العلم بعد ذكره لهذا الحديث: «استدلوا على عدم إحداث الكنائس ولو قيل إنه شامل للإحداث و الإبقاء لم يبعد ويخص منه ما كان بالشرط بدليل ويبقى ما عداه على مقتضى اللفظ وتقديره لا كنيسة موجودة شرعاً» اه.
* أمَّا ما ورد في المنع من إحداث الكنائس في بلاد الإسلام من الآثار فكثير جداً فمنها:
ما رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب «الأموال» أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «لا كنيسة في الإسلام».
وقد وَرَدَ في الشُّرُوط المشهورة عنه رضي الله عنه المُسمَّاة بـ «الشروط العمرية» أن لا يجددوا في مدائن الإسلام ولا فيما حولها كنيسة ولا صومعة راهب، وفيما يلي نص تلك الشروط التي جاء فيها ذلك الشرط:
كتب أهل الجزيرة إلى عبد الرحمن بن غُنْم: «إنَّا حينَ قَدِمْتَ بلادنا طَلَبْنَا إليكَ الأمان لأنفسنا وأهلِ مِلَّتِنَا على أنَّا شَرَطْنَا على أنفسنا أن لا نُحْدِثَ في مدينتنا كنيسة ولا فيما حولها ديرا، ولا قلاَّية، ولا صومعة راهب، ولا نجدد ما خرب من كنائسنا ولا ما كان منها في خطط المسلمين، وأن لا نمنع كنائسنا من المسلمين أن ينزلوها، ولا نؤوي فيها ولا في منازلنا جاسوساً، وأن لا نكتم غشاً للمسلمين، وأن لا نَضْربَ بنواقيسنا إلاَّ ضرباً خفيفاً في جوف كنائسنا، ولا نُظْهِرَ عليها صليباً، ولا نَرْفَعُ أصواتنا في الصلاة ولا القراءة في كنائسنا فيما يحضره المسلمون , وأنْ لاَ نُخْرِجَ صليباً ولا كتاباً في سوق للمسلمين وأن لا نخرج باعوثاً , [قال والباعوث يوم يجتمعون له كما يخرج المسلمون يوم الأضحى والفطر] ولا شعانين، ولا نرفع أصواتنا مع موتانا، ولا نظهر النيران معهم في أسواق المسلمين، وأن لا نجاورهم بالخنازير، ولا نبيع الخمور، ولا نظهر شِركاً، ولا نرغِّب في ديننا، ولا ندعو إليه أحداً ... » إلخ، فكتب بذلك عبد الرحمن بن غنم إلى عمر بن الخطاب فكتب إليه عمر: «أن أمض لهم ما سألوا والحق فيهم حرفين اشتَرِطْهُما عليهم مع ما شرطوا على أنفسهم: أن لا يشتروا من سبايانا، ومَن ضَرَبَ مُسلِماً فقد خلع عهده» فأنفذ عبد الرحمن بن غم ذلك وأقر من أقام من الروم في مدائن الشام على هذا الشرط».
وروى عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وأبو عبيد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سُئِل: هل للمشركين أن يتخذوا الكنائس في أرض العرب؟ فقال: «أَمَّا مَا مَصَّرَ المسلمون فلا تُرْفَعُ فيه كنيسة ولا بيعة ولا بيت نار ولا صليب ولا ينفخ فيه بوق ولا يضرب فيه ناقوس ولا يدخل فيه خمر ولا خنزير.
وما كان مِن أرض صُولِحَت صُلْحاً فعلى المسلمين أن يَفُوا لهم بصلحهم».
¥