ثم ذكر الإيجي الدليل الثالث وهو عمدته وهو الدليل السمعي وهو إخبار الرسل عليهم السلام بكونه سبحانه صادقاً في كلامه كله وهذا متواتر عنهم عليهم الصلاة والسلام، ثم ذكر اعتراضاً ملخصه أن هذا دور ظاهر لأن صحة السمع متوقفة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم متوقف على إستحالة الكذب عليه سبحانه -يعني في كونه يصدق الكذاب في دعواه أنه نبيه- فلو جاز الكذب عليه لأمكن أن يكون كاذباً –تعالى سبحانه- في تصديقه له بالمعجزات وبما جاء به من سمع!!!، ثم أجاب باعتماده على تقرير ضعيف جداً عندهم وهي أن دلالة المعجزة على التصديق فعلية وهي معلومة بالضرورة بحسب العادة!! وهو مسلك الضرورة كما يسمى ومعروف تمثيلهم لتصور مثل هذا بالملك في محفل كبير وقد قام بين يديه من ادعى دعوى إلخ
ودعوى الضرورة في إفادة المعجزة للعلم هنا صحيحة لكن إذا مُنعت أصولهم أولاً!! فهذا مسلك ينقض أصلهم في التعليل، والمثال عليهم لا لهم فإن أردت التفصيل فأظفر به في الجواب الصحيح 6/ 393 - 408 وأنظر أيضاً النبوات 1/ 480 - 483 و535 - 536و551 وبعدها و2/ 806 وبعدها وتجد هناك بيان حال مسلكهم الآخر في بيان دلالة المعجزة وهو مسلك القدرة وتعجيز الرب.
فالجواب الأول مع تضعيفهم له يتناقض مع أصل التحسين والتقبيح والثاني مع تضعيفهم لدلالته أيضا فهو في أحد أوجهه يتناقض مع ما قرروه في مسألة كلام النفس! و الجواب الثالث يناقض أصلهم في التعليل ولهذا سترى بعضاً من كلامهم و حيرتهم في نصنا الذي سيرد بعد قليل وفيه على سبيل المثال "الحكم بأن الكذب نقص إن كان عقلياً كان قولاً بحسن الأشياء وقبحها عقلاً، وإن كان سمعياً لزم الدور!! " ومن عرف تناقضهم في الاستدلال يعرف أن الآفة في فساد أقوالهم لا في جهة صحة ما يراد أن يستدل عليه من الحق والله المستعان وعليه التكلان.
والعجب من صنيع الفخر الرازي في المحصل ص185 - 186 حين قرر نفي الكذب بحقه تعالى ذكر اعتراض على دليله فقال:
((لا يقال: هب أن ما ذكرته يدل على أن ذلك الخبر القديم صدق، لكنه لا يدل على كون هذه الألفاظ صدقاً، لأنا نقول للمعتزلة: هذا أيضاً لازم عليكم، لأنكم جوزتم الحذف والإضمار لحكمة لا نطلع عليها، وتجويز ذلك يرفع الوثوق عن هذه الظواهر!)) ثم انتهى الحديث عن هذه المسألة!!
هكذا بكل بساطة وبكل برود يكون الجواب!: وأنتم يلزمكم أيضاً أنه يكذب! والسلام!. ينظر تعليق صاحب منزلة القرآن بين السلف ومخالفيهم على هذا النص 2/ 1086.
والآن مع النص المقصود وهو من المسامرة لابن أبي شريف المقدسي الشافعي شرح المسايرة لابن الهمام، وكلام ابن الهمام صاحب المسايرة بين قوسين () وكلام المقدسي بعده وما بين [] من المحقق في الحاشية:
قالا في سياق كلامهم عن مسألة التحسين والتقبيح ص58 وبعدها من الطبعة القديمة (ط1347 هـ) أو ص176 وبعدها ط العصرية:
.. (وكثيراً ما يذهل (1) أكابر الأشاعرة عن محل النزاع في مسألتي التحسين والتقبيح العقليين لكثرة ما يشعرون في النفس أن لا حكم للعقل بحسن ولا قبح) .. (حتى تحير كثير منهم) أي: من كبار الأشاعرة (في الحكم باستحالة الكذب عليه) تعالى (لأنه نقص) ...
وقوله: (حتى قال بعضهم) غاية لقوله: (حتى تحير كثير منهم)، أي: فأدى تحير الكثير من أكابر الأشاعرة إلى أن قال بعضهم (ونعوذ بالله مما قال، لا يتم استحالة النقص عليه) تعالى (إلا على رأي المعتزلة القائلين بالقبح العقلي!!! [شرح المقاصد4/ 159] و) حتى (قال إمام الحرمين: "لا يمكن التمسك في تنزيه الرب جل جلاله عن الكذب بكونه نقصاً لأن الكذب لا يقبح لعينه!!! [الإرشاد ص279]، و) حتى (قال صاحب التلخيص [كتاب للشهرستاني]: "الحكم بأن الكذب نقص إن كان عقلياً كان قولاً بحسن الأشياء وقبحها عقلاً، وإن كان سمعياً لزم الدور!! "، وقال صاحب "المواقف": "لم يظهر لي فرق بين النقص العقلي والقبح العقلي بل هو هو بعينه") كذا هو فيما وقفت عليه من نسخ المتن، وهو نقل عن المواقف بالمعنى، وعبارة المواقف: "لم يظهر لي فرق بين النقص في الفعل والقبح العقلي، فإن النقص في الأفعال هو القبح العقلي" [المواقف ص296] ا. هـ المقصود من المتن مع الشرح.
========
(1) دعوى أن المسألة مجرد ذهول عن محل الخلاف يلزمه أن هؤلاء على وفاق مع من قسم المسألة إلى ثلاث أقسام وأن محل الخلاف هو الثالث لا الأول، وهذه دعوى غير مبرهنة ولا صحيحة بل عامة المتقدمين وبعض المتأخرين -كما قرأت للرازي "في أحد أقواله " وهو في النهاية - ليست المسألة عندهم ذهول بل نفس كلامهم فيه تقرير واضح وصريح وفصيح -أنظر مثلاً كلام الجويني السابق ويوجد غيره كثير- ومن ادعى خلاف هذا فعليه بالدليل من كلامهم وبعضهم مضطرب لا يثبت على قدم كالإيجي بخلاف من فصل تفصيلاً قريباً من تفصيل أهل السنة ولم يتناقض، أما الذهول فكثيراً ما يقع ممن يقول بأقوال تخالف ما غرز بالفطرة فقد يقول -عن ذهول-قولاً يوافق ما تنادي به فطرته فليتفطن.
¥