جاء في " المعيار المعرب في فتاوى أهل المغرب " (11/ 168) لأحمد بن محمد الونشريسي (م 914 هـ بفاس): (سئل اللخمي: عن أهل بلد بَنَى عندهم الوهابيون مسجدا، ما حكم الصلاة فيه؟
فأجاب: هذه فرقةٌ خارجيةٌ ضالةٌ كافرةٌ، قطع الله دابرها من الأرض، يجب هدم المسجد، وإبعادهم عن ديار المسلمين).
قلت: واللخمي وهو علي بن محمد من فقهاء الأندلس توفي سنة (478 هـ) بصفاقص.
قال الدكتور الشويعر في جزئه (ص 13) وهو يناقش بعض المغاربة الذين عادوا دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي انطلاقا من هذه الفقرة التاريخية، ومن فتوى العلاّمة اللخمي: هل يمكن أن يفتي عالم – اللخمي - على معتقد لم يوجد صاحبه الذي ينسب المعتقد إليه، أو الحكم على ملّة من الملل لم تظهر بعد؟ ... - ثم قال -: إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب عندما أفتى اللّخمي وغيره من العلماء المالكية في الأندلس، وفي الشمال الإفريقي، كان أكثر من اثنين وعشرين من أجداده لم يولدوا بعد، باعتبار أن المتوسط لكل قرن ثلاثة جدود، كما أن بين وفاة عبد الوهاب بن رستم ووفاة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ما يقرب من واحد وثلاثين جدا، وعلماؤكم وعلماء الأندلس لا يعلمون الغيب، وننزههم عن الكهنة والسحر، وعن القول في أمر لا يعلمونه، يقول – سبحانه -: (قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) [النمل: 65].
ثم قال - بارك الله فيه-: إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ولد 1115 هـ، ومات سنة1206 هـ، وبينه وبين أحمد الونشريسي الذي ألّف كتاب " المعيار "، ونقل الفتوى عن اللخمي - كما مر بنا - مائتان واثنتان وتسعون سنة (292) وِفق تاريخ الوفاة، كما أن بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب وبين اللّخمي وهو صاحب الفتوى سبعمائة وثمانية وعشرون عاما (728)، وِفق تاريخ الوفاة ... ويقاس على هذا كل من أفتى من علماء الأندلس وشمال إفريقيا عن تلك الوهابية. اهـ
جاء في كتاب " الفرق الإسلامية في شمال إفريقيا " الذي ألفه الفرنسي ألفرد بل، وترجمه إلى اللغة العربية عبد الرحمن بدوي (ص 140 - 152): (الوهبية أو الوهابية: فرقة خارجية إباضية أنشأها عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم الخارجي الإباضي، وسميت باسمه وهابية، الذي عطل الشرائع الإسلامية، وألغى الحج، وحصل بينه وبين معارضه حروب ... - إلى أن قال: - المتوفى عام 197 هـ، بمدينة تاهرت بالشمال الإفريقي ... وكانوا يكرهون الشيعة قد كراهيتهم لأهل السنة).
قال الدكتور الشويعر في كتابه السابق: (هذه هي الوهابية التي فرقت بين المسلمين، وصدرت بشأنها فتاوى من علماء وفقهاء الأندلس وشمال إفريقيا، كما تجدون في كتب العقائد ... ، أما دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي ناصرها الإمام محمد بن سعود - رحمهما الله - السلفية الصحيحة، فهي ضد الخوارج وأعمالهم، لأنها قامت على كتاب الله، وما صح من سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ونبذ ما يخالفهما، وهم من أهل السنة والجماعة) ...
إن دعوة محمد بن عبد الوهاب الحنبلي، ودعوة علماء المسلمين في الجزائر تصبّ في حوض واحد، فمن أراد أن يفرق بينهما فدونه خرط القتاد، ومن قرع الطنابيب ليحارب الوهبية فليحارب معتقد الخوارج وأجدادهم من الرستميين الفارسيين الذين يسعون في الجزائر فسادا إن كان شجاعا وذا إلمامة بالتاريخ، وما أظن رؤوس التصوف يفعلون هذا لأنهم لا يرون في الخوارج خطرا على منهجهم الباطل، ولهذا لا نجد لهم مقالات يحذرون فيها من الخوارج ومذهبهم الفاسد على بشاعة جرمهم في الجزائر، بل المتتبع للعشرية السوداء يعسر عليه أن يجد محطة مشرفة للصوفية في مقارعة الخوارج وأضرابهم من الأزارقة والله المستعان.
إن الخطة الإستراتجية التي هي عند رؤوس التصوف تجعلهم يسالمون الخوارج، ويسكتون على جرائمهم البشعة، وفي الوقت نفسه يعلنون حربا قذرة ملئها الكذب والتدليس على دعوة إصلاح طاهرة أحيا معالمها محمد بن عبد الوهاب الحنبلي التميمي، لأنها دعوة بنيت على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأسست على تطهير الأرض من الشرك والبدع والكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا كله يعري الصوفية من لباسها المزور ويكشفها للعقلاء على أن الصوفية دعوة مبنية على المنامات والخيالات والأكاذيب والأحاجي الباطلة، فكيف تصلح لأن تكون منهج حياة، وعمود دولة في عصر التحديات والعولمة.
إن دعوة محمد بن عبد الوهاب التميمي الحنبلي الإصلاحية السنية شهد لها بالخير المنصفون، وأثبتت وجودها بعون الله - تعالى - فكانت سببا في قيام دولة إسلامية تحكم بشريعة الله الغراء، وتقوم على نصرة قضايا المسلمين المصيرية، ذنبها الوحيد أنها دعت الناس إلى منهج الأنبياء المبني على التوحيد الخالص، وحذرت المسلمين من الشرك والبدع التي يتخبط فيها كثير من الناس، وطهرت الحرمين الشريفين من جميع مظاهر الوثنية التي خلّفتها الدولة العثمانية القبورية) اهـ باختصار وتصرف.
====
(1) نسبة إلى الفاتيكان.
¥