لا يخفى عليكم أن الفلاسفة وعلى راسهم المعلم الأول ارسطو كانوا يمشون ويتفلسفون في جميع الأمور سواء ميتافيزيقا أو في علم الالهيات ... فنظر ارسطو إلى العالم وإلى السماء وهكذا .... وقال طالما أن العالم باقي وموجود منذ القدم ولن ينفى في المستقبل وكل مالا يفنى فهو قديم (أزلي) = إذن العالم قديم. وهو مكون مادة قديمة من الهيولي والصورة والأجسام تنقسم إلى مالانهاية ... إلخ!!!
فردوا عليهم أهل الكلام ببراهين لأجل إبطال مزاعم الفلاسفة ... واسسوا مايلي:
نتيجة لفلسفة القول بقدم العالم ... ظهرت ضدها فلسفة أو برهان إثبات الصانع (الرب = الخالق)
وأهل الكلام ارادوا ببرهان إثبات الصانع هو القول بحدوث العالم.
فقالوا: العالم حادث --> وكل حادث له محدث = = العالم له محدث.
الفلاسفة: لا نوافقكم في ان العالم مُحدث ... بل العالم قديم
أهل الكلام: العالم متغير = وكل متغير حادث وبالتالي النتيجة = العالم حادث
ومن هنا قال أهل الكلام بدليل الأعراض وحدوث الأجسام على إثبات الصانع وحدوث العالم.
لكن هل تعتقدون أن الفلاسفة سكتوا!!!!
قالت الفلاسفة: صحيح أن المادة تتغير في العالم لكن اصلها قديم وانما يحصل التغير في الأوصاف والهيئات مثل الرياح والأمطار ... إلخ وخرجوا بالهيولي والوصورة
فردوا عليهم أهل الكلام بنظرية الجوهر الفرد وهي آخر ورقة حاربوا بها مع الفلاسفة لأبطال نظرية الهيولي والصورة.
وما عرضنا هو إختصار لما حصل بين الفلاسفة وأهل الكلام حيث افنوا العلماء أعمارهم لأجل هذه المناقشة التي يراها المتعلم وكأنه نقاش في ترهات ... فقد خاض في هذا كل من (على سبيل المثال لا الحصر) ابن سينا والفارابي وابن رشد والنظّام والجهم بن صفوان وابن كرّام والجبائي والأشعري الباقلاني والجويني والغزالي والرازي والطوسي وغيرهم من الفلاسفة وأهل الكلام والمنطق.
واحتدم النقاش في عصر ابو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي الصوفي الأشعري عندما ألف كتابه تهافت الفلاسفة وقال بإكفار الفلاسفة ونهج منهجا وهو أنه استنصر على هذه الفرقة (الفلاسفة) بكلام جميع أهل الإسلام من معتزلة، ومتكلمين، ومرجئة، وكرامية ...
ورد عليه ابن رشد (الحفيد) بكتابه تهافت التهافت وبين فيه تنافض أهل الكلام وخاصة الأشعرية الذي منهم الغزالي .... وهكذا ...
حسنا .... ماهي النتيجة من كل هذا النقاش
النتيجة من هذا النقاش هو إلتزام اهل الكلام بهذا المنطق وهذه البراهين وتطبيقها على اهم باب في الإسلام وهو باب العقائد ....
فبعد أن اخترعوا واسسوا دليل الأعراض وحدوث الأجسام في إثبات الصانع وحدوث العالم. وبعد ان تم إعتماده والإيمان به أصبح هذا القانون أو البرهان هو المعول القوي الذي هجم على باب الأصول والعقائد ونسف مانسف من القواعد والمسلمات ...
وهذا الدليل أقصد دليل الأعراض وحدوث الأجسام طريقته كما يلي:
أنهم يستدلون على حدوث الأعراض بحدوث الأجسام وعلى حدوث الأجسام بحدوث العالم وعلى حدوث العالم بإثبات الصانع!.
فمثلا الإنسان لم يقولوا على أنه مخلوق أو محدث ... بل قالوا أنه نطفه مثلا أو مضغه تقوم بها الأعراض ... والأعراض تتغير
إذن الأعراض حادثه (لأنها تتغير)
وبما ان النطفة (الإنسان) يعتبر جسم أو فرد أو جوهر فهو لا يخلو من العرض .. أي أنه محل للأعراض.
وبالتالي مالا ينفك عن الحادث فهو حادث أو مالايخلو من الحوادث فهو حادث = إذن النطفة أو الجوهر حادث.
وكل حادث له محدث وهو الله (الصانع).
ملاحظة: هذا الدليل أو البرهان معكوس!! ... حيث كان بالإمكان إثبات خلق الإنسان بأن الإنسان مخلوق بداهة بل أمر معلوم بالضرورة لجميع الناس! ...
وعليه ...
إلتزمت الجهمية مايلي من نفي أسماء الله وصفاته بحكم انها أعراضا تقوم بالموصوف ولا يعقل موصوف بصفة إلا الجسم فإذا اعتقدوا حدوثه اعتقدوا حدوث كل موصوف بصفة والرب تعالى قديم فالتزموا نفي صفاته, وأسماؤه مستلزمة لصفاته؛ فنفوا أسماءه الحسنى وصفاته العلى. وقالوا: ليس بسميع ولا بصير ولا قادر ولا رحمن ولا رحيم ولا يتكلم ... إلخ
¥