وقال أبو عبدالله بن حامد في أصوله ومما يجب الإيمان به والتصديق أن الله يتكلم وأن كلامه قديم وأنه لم يزل متكلما في كل أوقاته بذلك موصوفا وكلامه قديم غير محدث كالعلم والقدرة وقد يجىء على المذهب أن يكون الكلام صفة متكلم لم يزل موصوفا بذلك ومتكلما كلما شاء وإذا شاء ولا نقول أنه ساكت في حال ومتكلم في حال من حين حدوث الكلام ().
وقال: وأما السلف وأئمة السنة وكثير من أهل الكلام كالهشامية والكرامية وأصحاب أبى معاذ التومنى وزهير اليامى وطوائف غير هؤلاء يقولون أنه صفة ذات وفعل هو يتلكم بمشيئته وقدرته كلاما قائما بذاته وهذا هو المعقول من صفة الكلام لكل متكلم فكل من وصف بالكلام كالملائكة والبشر والجن وغيرهم فكلامهم لابد أن يقوم بأنفسهم وهم يتكلمون بمشيئتهم وقدرتهم ().
وقال: و المقصود هنا أنه يمكن إبطال كونه خلقه في نفسه من غير التزام قول الكلابية ولا الكرامية؛فإنه قد تبين أن ما قام بذاته يمتنع أن يكون مخلوقا إذ كان حاصلا بمشيئته وقدرته والمخلوق لابد له من خلق ونفس تكلمه بمشيئته وقدرته ليس خلقا له بل بذلك التكلم يخلق غيره والخلق لا يكون خلقا لنفسه.
ويدل على بطلان قول الكلابية أن الكلام لا يكون إلا بمشيئته وقدرته وهم يقولون يتكلم بلا مشيئته ولا قدرته.
وأما الكرامية فيقولون صار متكلما بعد أن لم يكن فيلزم انتفاء صفة الكمال عنه ويلزم حدوث الحادث بلا سبب ويلزم أن ذاته صارت محلا لنوع الحوادث بعد أن لم تكن كذلك كما تقوله الكرامية وهذا باطل وهو الذي أبطله السلف بأن ما يقوم به من نوع الكلام والإرادة والفعل إما أن يكون صفة كمال أو صفة نقص فان كان كمالا فلم يزل ناقصا حتى تجدد له ذلك الكمال وان كان نقصا فقد نقص بعد الكمال ().
وقال: وأما الكرامية فتقول إن القرآن كلام الله غير مخلوق وهو متكلم به بحرف وصوت ويقولون مع ذلك أنه حادث قائم به وهم ليسوا من الجهمية بل يردون عليهم أعظم الرد وهم أعظم مباينة لهم من الأشعرية ويقولون مع ذلك أن القرآن حادث في ذات الله.
مجموع الفتاوى (12
177)
الرد على الكرامية في مسألة أن الله اتصف بالصفات بعد أن كان غير متصف بها
وقال: إذا عرفت هذا فنقول أما وقوع التغير في الإضافات فلا خلاص عنه وأما وقوع التغير في الصفات الحقيقية فالكرامية يثبتونه وسائر الطوائف ينكرونه فبهذا يظهر الفرق فى هذا الباب بين مذهب الكرامية ومذهب غيرهم.
قال:والذي يدل على فساد قول الكرامية وجوه:
الأول: إن كل ما كان من صفات الله فلابد أن يكون من صفات الكمال ونعوت الجلال فلو كانت صفة من صفاته محدثة لكانت ذاته قبل حدوث تلك الصفة خالية عن صفة الكمال والجلال والخالى عن صفة الكمال ناقص فيلزم أن ذاته كانت ناقصة قبل حدوث تلك الصفة فيها وذلك محال فثبت أن حدوث الصفة في ذات الله محال.
قلت: ولقائل أن يقول ما ذكرته لا يدل على محل النزاع وبيان ذلك من وجوه
أحدها: أن الدليل مبنى على مقدمات لم يقرروا واحدة منها لا بحجة عقلية ولا سمعية وهو أن كل ما كان من صفات الله لابد أن يكون من صفات الكمال وان الذات قبل تلك الصفة تكون ناقصة وان ذلك النقص محال.
الثاني: أن وجوب اتصافه بهذا الكمال وتنزيهه عن النقص لم تذكر في كتبك عليه حجة عقلية بل أنت وشيوخك كأبى المعالى وغيره تقولون إن هذا لم يعلم بالعقل بل بالسمع وإذا كنتم معترفين بأن هذه المقدمة لم تعرفوها بالعقل فالسمع إما نص وإما إجماع وأنتم لم تحتجوا بنص بل في القرآن أكثر من مائة نص حجة عليكم والأحاديث المتواترة حجة عليكم ودعوى الإجماع إذا كانت أزلية وجب أن يكون المقبول صحيح الوجود في الأزل
والدليل عليه أن كون الشيء قابلا لغيره نسبة بين القابل والمقبول والنسبة بين المنتسبين متوقفة على تحقق كل واحد من المنتسبين وصحة النسبة تعتمد وجود المنتسبين
فلما كانت صحة اتصاف الباري بالحوادث حاصلة في الأزل لزم أن تكون صحة وجود الحوادث حاصلة في الأزل ().
قولهم في إثبات الحكمة لله تعالى أقرب من قول
قال: وهؤلاء المعتزلة و من وافقهم من الشيعة يوجبون على الله سبحانه أن يفعل بكل عبد ما هو الأصلح له فى دينه و تنازعوا فى و جوب الأصلح فى دنياه و مذهبهم أنه لا يقدر أن يفعل مع مخلوق من المصلحة الدينية غير ما فعل و لا يقدر أن يهدي ضالا و لا يضل مهتديا.
¥