ولكن بسبب ما وقع منه فى أثناء عمره وغير ذلك صار كثير من النظار يدخلون المنطق اليونانى فى علومهم حتى صار من يسلك طريق هؤلاء من المتأخرين يظن أنه لا طريق إلا هذا ,وأن ما ادعوه من الحد والبرهان هو أمر صحيح مسلم عند العقلاء ,ولا يعلم أنه ما زال العقلاء والفضلاء من المسلمين وغيرهم يعيبون ذلك ويطعنون فيه ,وقد صنف نظار المسلمين فى ذلك مصنفات متعددة وجمهور المسلمين يعيبونه عيبا مجملا لما يرونه من آثاره ولوازمه الدالة على ما فى أهله مما يناقض العلم والإيمان ويفضى بهم الحال إلى أنواع من الجهل والكفر والضلال.
مجموع الفتاوى (9
185)
وقال: وكان يعقوب بن إسحق الكندى فيلسوف الإسلام فى وقته؛ أعني الفيلسوف الذى فى الإسلام وإلا فليس الفلاسفة من المسلمين كما قالوا لبعض أعيان القضاة الذين كانوا فى زماننا ابن سينا من فلاسفة الإسلام فقال: ليس للإسلام فلاسفة.
مجموع الفتاوى (9
186)
وقال: والكلام فى المنطق إنما وقع لما زعموا أنه آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن أن يزل فى فكره؛فاحتجنا أن ننظر فى هذه الآلة هل هى كما قالوا أو ليس الأمر كذلك ومن شيوخهم من إذا بين له من فساد أقوالهم ما يتبين به ضلالهم وعجز عن دفع ذلك يقول هذه علوم قد صقلتها الأذهان أكثر من الف سنة وقبلها الفضلاء فيقال له عن هذا أجوبة:
أحدها: أنه ليس الأمر كذلك فما زال العقلاء الذين هم أفضل من هؤلاء ينكرون عليهم ويبينون خطأهم وضلالهم فأما القدماء فالنزاع بينهم كثير معروف وفى كتب أخبارهم ومقالاتهم من ذلك ما ليس هذا موضع ذكره.
فأما أيام الاسلام فإن كلام نظار المسلمين فى بيان فساد ما أفسدوه من أصولهم المنطقية والإلهية بل والطبيعية والرياضية كثير.
قد صنف فيه كل طائفة من طوائف نظار المسلمين حتى الرافضة ,وأما شهادة سائر طوائف أهل الإيمان والعلماء بضلاهم وكفرهم؛فهذا البيان عام لا يدفعه إلا معاند والمؤمنون شهداء الله فى الآرض فإذا كان أعيان الأذكياء الفضلاء من الطوائف وسائر أهل العلم والإيمان معلنين بتخطئتهم وتضليلهم إما جملة وإما تفضيلا امتنع أن يكون العقلاء قاطبة تلقوا كلامهم بالقبول.
الوجه الثانى: أن هذا ليس بحجة؛ فإن الفلسفة التى كانت قبل أرسطو وتلقاها من قبل بالقبول؛طعن أرسطو فى كثير منها وبين خطأهم ,وابن سينا وأتباعه خالفوا القدماء في طائفة من أقاويلهم وبينوا خطأهم ورد الفلاسفة بعضهم على بعض أكثر من رد كل طائفة بعضهم على بعض , وأبو البركات وأمثاله قد ردوا على أرسطو ما شاء الله لأنهم يقولون إنما قصدنا الحق ليس قصدنا التعصب لقائل معين ولا لقول معين.
و الثالث: أن دين عباد الأصنام أقدم من فلسفتهم ,وقد دخل فيه من الطوائف أعظم ممن دخل فى فلسفتهم ,وكذلك دين اليهود المبدل أقدم من فلسفة أرسطو ودين النصارى المبدل قريب من زمن أرسطو؛فإن أرسطو كان قبل المسيح بنحو ثلاثمائة؛فإنه كان من زمن الإسكندر بن فيلبس الذى يؤرخ به تاريخ الروم الذى يستعمله اليهود والنصارى.
الرابع: أن يقال فهب أن الأمر كذلك فهذه العلوم عقلية محضة ليس فيها تقليد لقائل ,وإنما تعلم بمجرد العقل فلا يجوز أن تصحح بالنقل بل ولا يتكلم فيها إلا بالمعقول المجرد؛فإذا دل المعقول الصريح على بطلان الباطل منها لم يجز رده فإن أهلها لم يدعوا أنها مأخوذه عن شيء يجب تصديقه بل عن عقل محض فيجب التحاكم فيها الى موجب العقل الصريح.
مجموع الفتاوى (9
196)
وقال: وكثير من الطرق لا يحتاج إليه أكثر الناس ,وإنما يحتاج إليه من لم يعرف غيره أو من أعرض عن غيره ,وبعض الناس يكون كلما كان الطريق أدق وأخفى وأكثر مقدمات وأطول كان أنفع له لأن نفسه اعتادت النظر فى الأمور الدقيقة؛فإذا كان الدليل قليل المقدمات أو كانت جلية لم تفرح نفسه به, ومثل هذا قد تستعمل معه الطرق الكلامية المنطقية وغيرها لمناسبتها لعادته لا لكون العلم بالمطلوب متوقفا عليها مطلقا؛فإن من الناس من إذا عرف ما يعرفه جمهور الناس وعمومهم أو ما يمكن غير الأذكياء معرفته لم يكن عند نفسه قد امتاز عنهم بعلم فيحب معرفة الأمور الخفية الدقيقة الكثيرة المقدمات ,ولهذا يرغب كثير من علماء السنة فى النظر فى العلوم الصادقة الدقيقة كالجبر والمقابلة وعويص الفرائض والوصايا والدور وهو علم صحيح فى نفسه.
¥