تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ما قرّره ابنُ باديس في تفسيره من أنّ خبرَ الواحدِ لا يُقبَلُ إذا خالفه القطعي هو مذهبُ المعتزلة وبعضِ المتكلّمين ..

للشيخ الدكتور محمد علي فركوس

ـ سدده الله ـ

الفتوى رقم: 754

الصنف: فتاوى أصول الفقه والقواعد الفقهية

السؤال:

قال العلاَّمةُ ابنُ باديس -رحمه الله- في «تفسيره»: «إنَّ السُّنَّة النبويةَ والقرآن لا يتعارضان، ولهذا يُردُّ خبرُ الواحد إذا خالف القطعيَّ من القرآن»، فما هو تعليقكم؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:

فإنّ ما قرّره ابنُ باديس في تفسيره من أنّ خبرَ الواحدِ لا يُقبَلُ إذا خالفه القطعي هو مذهبُ المعتزلة وبعضِ المتكلّمين، وبه قال أبو الحسنِ البصريٌّ والسمرقنديُّ والقَرافيُّ والصفي الهندي وغيرُهم (1 - انظر «المعتمد» لأبي الحسين البصري: (2/ 96، 102)، و «العدّة» لأبي يعلى: (2459)، «المحصول» للفخر الرازي: (2/ 217)، «ميزان الأصول» للسمرقندي: (2/ 75، 81)، «كشف الأسرار» للبخاري: (3/ 27)، «البحر المحيط» للزركشي: (4/ 257)، «الكفاية» للخطيب البغدادي: (432)، «المسودة» لآل تيمية: (249))، وهو مخالفٌ لأكثرِ أهل الفقه والحديث، قال ابنُ عبد البرّ –رحمه الله-: «وعلى ذلك أكثرُ أهلِ الفقه والأثرِ، وكلُّهم يدينُ بخبر الواحد العَدْلِ في الاعتقادات، ويعادي ويوالي عليها، ويجعلها شرعًا ودينًا في مُعتقده، على ذلك جماعةُ أهل السُّنَّة» (2 - «التمهيد» (1/ 8)).

وعمومُ نصوصِ الكتابِ والسُّنَّة تقضي بوجوب قَبول خبرِ الواحد مُطلقًا من غير تفريقٍ بين القطعيِّ والظنيِّ، فقد أوجب اللهُ تعالى الحذرَ بقول الواحد في قوله تعالى: ?فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ? [التوبة: 122]، كما جعل عِلَّةَ ردِّ الأخبارِ هي الفسق لا الوحدة في قوله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ? [الحجرات: 6]، وقد دعا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم لحامِلِ الفقه وأقرَّهُ على الرواية من غير تفريق مع عدم فقهه وعلمه في قوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ» (3 - أخرجه أبو داود في «العلم»، باب فضل نشر العلم: (3660)، والترمذي في «العلم»،باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع: (2656)، والدارمي في «سننه» (233)، وأحمد في «مسنده»: (21208)، من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه، والحديث صحَّحه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (404)، والوادعي في «الصحيح المسند»: (358)).

هذا، وسَلَفُ الأُمَّة من الصحابة فمن بعدهم كانوا يتلقَّون أخبار الآحاد في القطعيات والظنِّيَّات ويثبتونها بدون ردّ لأي منها لمجرّد كونه خبر آحاد في القطعيات، ويدلّ لذلك روايتهم لتلك الأخبار وتناقلها وتلقِّيها وتحصيلها ونقلها وتفسيرها بمقتضى اللغة بما يليق بها والقول بمدلولها، بل إنهم أدخلوا مفادَ تلك الأخبار في مُعتقداتهم وصرّحوا بتبديع أو تفسيق أو تخطئة مخالفها (4 - «التمهيد» لابن عبد البر: (1/ 8)، «مختصر الصواعق المرسلة» لابن القيم: (2/ 8 - 6)).

وعليه، فإنّ أقوى الأقوال دليلاً وأصحَّها نظرًا مذهبُ الجمهور القائلين بصحّة الاحتجاج بخبرِ الواحد المرفوعِ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم بإسنادٍ صحيحٍ سواء في القطعيات أو الظنِّيَّات، وضعف أدلة ما سواه على ما هو مُثْبَتٌ في مَوْضِعِهِ.

والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

الجزائر في: 1 رمضان 1428ه

الموافق ل: 13 سبتمبر 2007م

ـــــــــ

ـ[عبد الحق آل أحمد]ــــــــ[12 - 12 - 08, 04:54 م]ـ

الأخ الكريم: "أبا بكر الغنامي" بارك الله فيك .. و إن شاء الله ترى ما يسرك ..

ـ[أبو محمد بن محمد]ــــــــ[12 - 12 - 08, 10:30 م]ـ

جزاك الله خيرا اخي عبد الحق .. لكن في بعض كلامك شدة على الشيخ والشيخ هو من هو،

فلو بينت و جعلت بين كلامك بعضا تبين فيه فضله على الامة حتى لا يغتر من قد يغتر بكلامك ويأخذه على سبيل العموم فيصيب في عرض الشيخ ما يقدح فيه او قد يبهته. خاصة واننا في زمن كثر فيه المتصيدون للعثرات فإلى الله المشتكى.

ولو عرضت كلامك وتعقيباتك الجياد هذه على اهل العلم واخذت رأيهم فيه - واعلم الناس في زماننا بالعلامة ابن باديس هو شيخ الجزائر محمد علي فركوس حفظه الله- .. لكان فيه خيرا عظيما تحصل منهم على توجيهات ونصائح طيبة ..

ومن يدري فلعل يوما نرى تفسير ابن باديس عليه تعليقات عبد الحق ال احمد .. مقرض من الشيخ العلامة علي فركوس مثلا.

وليكن دوما التعصب للحق لا للرجال

والله الموفق والهادي الى سواء السبيل

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير