16 - حرّف الكوثري قصّة توسّل عمر بن الخطاب بالعباس رضي الله عنهما [29] فقال: ((عدول عمر رضي الله عنه عن التوسل به صلى الله عليه و سلم إلى التوسّل بالعباس رضي الله عنه لم يكن لأَجل أَنَّ الرسول صلى الله عليه و سلم ميت لا يسمع النداء، أو أَنَّ التوسّل بالأنبياء بعد موتهم لا يجوز؛ بل من حمل صنيع عمر رضي الله عنه هذا على قصر التوسّل به صلى الله عليه و سلم في حياته – فقد حرّف الحديث، وحاول المحال، ونسب إِلى عمر ما لم يخطر له على بال، و أَبطل السنتّة الصحيحة بالرأي)) [30].
قلت: ظهْر الأَرض لم يخل عن أهل العلم و طالبي الحقّ و الإِنصاف حتّى ممّن يعظِّمهم الكوثريّ أَو يُعَظِّمونَه!! فليتدبّروا في تلبيس الكوثري وتدليسه، وتحريفه، و تزويره و قلبه للحقائق، وكونه آية فيما يقال: ((رمتني بدائها و انسلّت)).
هل صنيع عمر ري الله عنه حجّة للكوثري أَم عليه و على ذويه من القبوريّة الخرافيّة و الجهميّة الصوفيّة؟ وهل توسّل الخلف كتوسّل السلف؟
معاذ الله سبحانه الله عمّا يصفون.
فقد قال العلامة المحدّث أَنور شاه الكشميري اليدوبندي الملقب (عندهم) بإِمام العصر (1352هـ) في شرح توسّل عمر بالعباس رضي الله عنهما: ((ليس في التوسّل المعهود الذي يكون بالغائب حتّى قد لا يكون به شعور أَصلاً، بل فيه توسّل السلف: وهو أَنْ يقدّم رجلاً ذا وجاهة عند الله تعالى، و يأمره أَن يدعو لهم ثمّ يحيل عليه في دعائه.
كما فعل بعباس رضي الله عنه عمِّ النبيِّ صلى الله عليه و سلم.
ولو كان فيه توسّل المتأخرين لم احتاجوا بإِذهاب عباس رضي الله عنه معهم، و لكفى لهم التوسّل بنبيهم بعد وفاته أَيضًا)) [31].
وقال أَيضًا: ((واعلم أَنَّ التوسُّل بين السلف لم يكن كما هو المعهود بيننا, فإِنَّهم إِذا كانوا يريدون أن يتوسَّلوا بأحد كانوا يذهبون بمن يتوسلون به أَيضًا معهم, ليدعوا لهم, ثمّ يستعينون بالله ويدعونه ...
أَمَّا التوسُّل بأَسماء الصالحين-كما هو المتعارف عليه في زماننا- بحيث لا يكون للمتوسلين بهم علم بتوسلنا, بل لا يشترط فيه حياتهم أَيضًا, وإنّما يتوسل بذكر أسمائهم فحسب, زعمًا منهم أَنَّ لهم وجاهةً عند الله وقَبولاً فلا يضيّعهم بذكر أسمائهم فذلك أمر لا أُحبُ أَنْ أَقتحم فيه ...
وأمَّا قوله تعالى:"وابتغوا إليه الوسيلة", فذلك وإِنْ اقتضى ابتغاء واسطة, لكن لا حجّة فيه على التوسُّل المعروف بالأَسماء فقط.
وذهب ابن تيميّة إِلى تحريمه، و أَجازه صاحب ((الدر المختار))، ولكن لم يأت بنقل عن السلف)) [32].
قلت: كلام العلامة أَنور شاه هذا – مع ما فيه من بعض الملاحظات – يردُّ كيدَ الكوثريّ و أَمثاله في نحورهم من كلِّ ثرثريّ، وأَنَّ تمسكهم بنصوص الكتاب و السنّة و حملها على التوسّل المبتدع الخَلفيّ باطلٌ و تحريف و تحميل لها ما لا يحتمل.
وتبين للناس من هو المفتري الأَفاك؟ ومَنْ هو المحرّف؟ ومن الذي تباع اليهود؟ ومن حاول المحال؟ هل هو العلامة أًَنور شاه، أم الكوثريّ؟
ولا تخفى على النّاس أَنَّ منزلة العلامة أَنوره شاه عند الكوثري رفيعة جدًّا، وقد بالغ فيِ إِجلاله و إكباره [33].
امَّا مبالغات الكوثريّة في إجلال العلامة أَنور شاه، وما نسجوه غُلوًّا فيه، فشيء لا يخطرُ بالبال.
ولكنَّ الكوثري في مسألة التوسّل قد رماه بأنه مفتر أَفّاك من حيث لا يشعر.
وقد صرَّح شرّاح قصّة توسل عمر بالعباس – بما فيهم كبار أَئمّة الحنفيّة – بأنَّ هذا من باب التوسّل إِلى الله تعالى بدعاء الحيّ بمعنى أَنَّ ذلك الحيّ يدعو للتوسل [34]، وليس ذلك من قبيل توسّل أهل البدع الماتريديّة أو الكوثريّة و غيرهم من القبوريّة كالبريوليّة.
وللعلامة الآلوسي المفسّر مفتي الحنفيّة ببغداد (1270هـ) مبحث علمي دقيق في تفسير آية الوسيلة، ومعنى توسّل عمر بالعباس رضي الله عنه، و الفرق بين توسّل السلف و بين توسّل الخلف من أهل البدع، فهو كافٍ شافٍ لقلع نسج الكوثريّ و الكوثريّة و غيرهم من أهل البدع فراجعه [35].
وإِذا عرف القرّاء الكرام أَنَّ توسُّل الخلف غير توسّل السلف، وأن توسُّل الخلف بعيد عن مقصود نصوص التوسُّل في الكتاب و السنة، فنقلب على الكوثريّ الآن ما قاله هو بلسانه و كتبه ببنانه، قال:
¥