(ومما يدل على بطلان قولكم في تكفير من كفرتموه ما روى البخاري في صحيحه عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، وإنما قاسم والله يعطي، ولا يزال أمر هذه الأمة مستقيماً حتى تقوم الساعة، أو يأتي أمر الله تعالى .. ).
وجه الدليل منه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن أمر هذه الأمة لا يزال مستقيماً إلى آخر الدهر، ومعلوم أن هذه الأمور .. التي تكفرون بها، مازالت قديماً ظاهرة ملأت البلاد فلو كانت هي الأصنام الكبرى، ومن فعل شيئاً من تلك الأفاعيل عابد للأوثان، لم يكن أمر هذه الأمة مستقيماً، بل منعكساً .. ) ().
(ومما يدل على بطلان مذهبكم ما في (الصحيحين) عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فقال: (إني لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها .. الحديث)، وجه الدلالة منه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بجميع ما يقع على أمته .. ومما أخبر به في هذا الحديث الصحيح أنه أمن أن أمته تعبد الأوثان، ولم يخافه، وأخبرهم بذلك .. ) ().
ويتابع سليمان أدلته فيقول:
(ومما يدل على بطلان مذهبكم ما روى مسلم في (صحيحه) عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم) وروى الحاكم وصححه أبو يعلى والبيهقي عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان قد يئس أن تعبد الأصنام بأرض العرب، ولكن رضي منهم بما دون ذلك بالمحقرات وهي الموبقات).
أقول وجه الدلالة:
أن الرسول أخبر أن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، وفي حديث ابن مسعود أيس الشيطان أن تعبد الأصنام بأرض العرب، وهذا بخلاف مذهبكم فإن البصرة وما حولها والعراق من دون الدجلة الموضع الذي فيه قبر علي وقبر الحسين رضي الله عنهما، وكذلك اليمن كلها والحجاز كل ذلك من أرض العرب، ومذهبكم أن هذه المواضع كلها عبد الشيطان فيها، وعبدت الأصنام، وكلهم كفار … وهذه الأحاديث ترد مذهبكم) ().
يقول القباني:
(نقول أن الأمة قد اجتمعت على تكفير من ضلل هذه الأمة، وممن نقل الإجماع علماء الحنابلة .. ) ().
ويقول عبد الرؤوف بن محمد بعد أن ذكر حديث افتراق الأمة:
(وليس الافتراق مخرجاً عن ملته – أي الملة المحمدية - .. وما حكي خلف عن سلف أن أحدا من الصحابة والتابعين منع أحدا من فرق الإسلام من إتيان المسجد الحرام، ولو كانوا قائلين بكفرهم لمنعوهم من الحج .. ) ()
وقد أشار الشيخ عبد الرحمن بن حسن إلى بعض الخصوم الآخرين ممن أورد هذه الشبهة، واعترض بها على الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب، يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله:
(وممن أورد هذه الشبهة عليه عبد الله المويس راعي حرمة، وابن إسماعيل في الوشم وسليمان بن عبد الوهاب في العارض وزعموا أن الأمة لا يقع فيها شرك .. ) ().
وأورد هذه الشبهة رجل من الإحساء – زمن الشيخ عبد الرحمن بن حسن – قائلا: (يا أيها الرجل الجاهل المعجب بنفسه لقد غويت وجهلت باعتقادك في هذه الأمة المحمدية التي قال الله فيها (كنتم خير أمة أخرجت للناس) () وقال تعالى (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً) () أي عدلاً خيارا ً) ().
كما زعم داود بن جرجيس استحالة وقوع الشرك في الأمة المحمدية () وردد عثمان بن منصور تلك الدعوى، فهو يرى أن هذه الأمة ليس فيها من يعمل الكفر، وأنها أمة صالحة - كلها – من أولها إلى آخرها، ليس فيها شرك ().
وإذا انتقلنا إلى مقام الرد والبيان، فإننا نلاحظ أن الشيح الإمام قد تصدى لتلك الشبهة، فأزال اللبس، وأبان وجه الحق في ذلك، وحشد الأدلة والبراهين التي تثبت وتدل على وقوع الشرك في هذه الأمة، فبوب في كتابه النفيس (كتاب التوحيد)، هذا الباب: (باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان).
يقول الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب – في مقدمة شرح هذا الباب -:
¥