تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مسؤول لها أكثر مما هي مسؤولة، أترينها – وهي ملكة منزلها – تسمي نفسها أسيرة بيد رجل، وتسمي حجابها سجنا لها؟ كلا سيدتي، فحجابها هو صونها، و أولى بالمرأة أن تصان و تحتجب، وكما يجب على الرجل أن يكون رجلا كاملا في رجولته، يجب على المرأة أن تكون امرأة أنثى كاملة في أنوثتها و في الحجاب من لين الأنوثة و دلالها مالا يكون في السفور.

والسفور عندنا من عادات النساء البدويات و القرويات، حيث الخشونة و شظف العيش، لا من شأن الحضريات حيث الطراوة أو النعومة، وحيث الرفاهية و العيش الرخيم، والمرأة البدوية أو القروية بسفورها مترجلة تشبه الرجل، ثم هي ليست بامرأة كالنساء ولا برجل كالرجل.

قالت الراوية: واندفعت ربة المنزل تصف السافرة بأنها لاهية لاعبة مسرفة في لهوها، وفي لعبها، وقد تقسو عليها فتصفها بقلة الحياء، حتى خجلتُ ووجمتُ فأردت أن أتكلم فلم أقدر على الكلام.

قالت: ثم جعلت تُدلُّ بالحجاب، وتزعم أن فيه الحشمة و العفاف، وفيه الأنوثة وكل ما فيها من سحر و دلال، وتُطري المحتجبات، وتسرف في الثناء عليهن.

قالت: وهنا حنقت و استكبرت – وأنا المتعلمة الكاتبة – أن أقف بين يدي امرأة جاهلة موقف الحيرة و الوجوم، و أنا ما جئتها إلا لأعلمها كيف تكون امرأة حرة (!) فجمعت ((قوتي بيدي)) وقلت لها:

- لو أنك يا سيدتي ذقت لذة الحرية لما صبرت عنها لحظة واحدة، ولمزقت حجابك تمزيقا.

قالت: وهل أنتِ في الحرية تتلذذين بها و تنعمين في بحبوحتها؟

قلت: نعم، أنا كذلك.

قالت: وأنت مع ذلك امرأة أنثى؟

قلت: وهو كذلك.

قالت: تلك أنتِ عند نفسكِ، وأما عندنا فما أنتِ كذلك.

قلت: وكيف؟

قالت: فلنجعلك أنتِ مثلاً أعلى للحرية التي تريدينها لنا، فأنت امرأة مهذبة كاتبة، ونحن عن خلصنا من الحجاب (كما تقولين) وترقينا و تمدينا، فما نحن ببالغات – مهما أمعنا في الترقي و التمدن – على الذروة التي أنت فيها من الثقافة و التهذيب ومع هذا كله فما نراكِ كملت أنوثتك، وما نراك إلا فقدت أكثر ما تكون به امرأة .. امرأة أنثى كاملة في أنوثتها.

قالت الراوية: وهنا قاطعتها – بلهجة غضب – قائلة: ولمهْ؟

فقالت: أنتِ عازبة غير متزوجة؟

قالت: فقلت ((نعم))

قالتا: وماذا يمنعك من الزواج؟

فقلت: لم أجد رجلا كما أحبُّ

قالت: ويحك! فهل خلت رقعة الأرض من رجل يكون كما تريدين؟

وواصلت حديثها وقالت: ولا تعمرين منزلك إلا قليلا؟

فقلت: لا تتزوجين ولا تلدين، ولا تعمرين منزلك، فما أنت بزوجة، ولا بأم، ولا بربة منزل، فإذا بماذا تكونين امرأة أنثى كاملة في أنوثتها؟ أبركوب الخيل، والخطب الحماسية، و التصفيق و الهتاف؟ كلا سيدتي، ليس شيء من لين الأنوثة ولا نعومتها في هذا ولا في مثله.

قالت الراوية: فما زدت على ان ودعتهن، وخرجت خزيانة منكسرة مهزومة ليس وراء ما أنا فيه من الخزي والانكسار و الهزيمة غاية أخرى، وكنت أراني كل شيء عند نفسي، فصرت أراني أهون ما يكون، وكان كتابي الذي أَحب ما يكون لي، فصار أرخص الأشياء و أسمجها في عيني، ولم ينطفئ ندمي عليه إلا بعد ما محوته محواً من لوح الوجود، وكان الحجاب في نظري عادة جامدة قاسية يجب تتمرد عليها كل مسلمة تريد أن تخرج إلى هذه الحياة، فصرت انظر غليه كأقدس الشعائر التي يجب أن يحتفظ بها احتفاظا شديدا و هكذا أصبحت أنظر إلى كل شيء إسلامي بغير العين التي كنت أنظر بها من قبل إليه، و أني مكبة اليوم على تأليف كتاب في نصرة الحجاب، قد انتهيت إليه منذ ذلك اليوم، ولا أكتمكم أني أصبحت أميل إلى الإسلام ميلا شديدا، وغير بعيد أن تسمعوا عني أن ((فلانة)) (تعني نفسها) قد اعتنقت الإسلام.

---

وهذه امرأة مسلمة قد استطاعت على جهلها و أميتها أن تهزم بدفاعها عن دينها امرأة مثقفة راقية كاتبة مستشرقة هي كل شيء عند نفسها، وشيء عند الذين عرفوها و عرفوا فضلها و انتصافها، فلو أن جميع المسلمين و المسلمات يعتزون بالإسلام و ينفحون عنه، و يبشرون به، ويدعون إلى سبيله، إذن يكونُ الدين كله لله، و إذن لآمن من في الأرض كلهم جميعا.

يتبع بإذن الله تعالى في الحلقة التالية بعنوان: "صديقي عمار" ...

ـ[عبد الحق آل أحمد]ــــــــ[07 - 09 - 08, 05:25 م]ـ

صديقي عمار

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير