تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كنت عام ( .. ) بالجزائر (العاصمة) وكان من رفاقي فيها الأستاذ مسعود سكفالي المحامى وهو مشهور بالغيرة على أبناء وطنه وكان مرجعا لشباننا المتحمسين, وعرفت عنده من هؤلاء الشبان شاباً مسلماً ما يزال يومئذ طالباً في السنة النهائية من كلية الحقوق, وهو صغير ما يزال في الواحدة والعشرين من عمره. وقد تربى هذا الشاب في أحضان الكاثوليك في مدرسة من مدارسهم المسيحية, وكان اسمه"عمار", ولكن هؤلاء الكاثوليك قد سموه اسماً مسيحياً, لا أذكره الآن ..

و كان هذا الشاب المسلم قد منعه أولياؤه الكاثوليك من مخالطة المسلمين والتحدث باللغة العربية, حتى نسي أنه مسلم, وأنه عربي جزائري. ولكن اختلاطه بالأستاذ سكفالى وأمثاله من المسلمين الذين تخرجوا في الجامعة الفرنسية بالجزائر أو في غيرها من جامعات فرنسا ومن الشبان المسلمين الذين ما زالوا بها طلبة يتعلمون, ومعاشرته لهم قد نبه ذلك فيه وطنية كانت كامنة في قلبه, فعرف أنه مسلم, وأنه عربي جزائري وعرفته أنا وهو ما يزال يلبس القبعة, وما يزال عنده مطاعن المسيحيين وشبه الملحدين التي يقذفون بها الإسلام. وعرفته وهو يعتقد أنها شبه ومطاعن ما عنده في ذلك شك. ولكنه يفتش على عالم مسلم ينزه له الإسلام عن هذه الشبه والمطاعن تنزيهاً واضحاً مفهوماً يقبله العقل, ويعترف به الذين يعلمون. وهو وإن كان ناشئاً صغيرا, فإنه كاتب بليغ بلغة الفرنسيين, يعرف قيمته أدباء هذه اللغة جميعا. وأفضنا في هذه المطاعن وفي هذه الشبه, ومن حسن الحظ أن كانت هذه المطاعن وهذه الشبه هي التي قذف بها الإسلام في مصر الدكتور طه حسين, وسلامه موسى و غيرهما من الملاحدة, المقلدين, وأعوان الاستعمار على تقريب شباننا من أغراضه فكنت اطلعت عليها, وعلى ما نشرته مجلة (الزهراء) و (الفتح) من تزييف تلك السخافات, وعلى أكثر ما كتبه كاتب الشرق الأكبر الأمير شكيب أرسلان, وعلى أكثر ما كتبه الأديب الإمام السيد مصطفى صادق الرافعي في هذا الباب, واطلعت على غير ذلك. فقدمت إلى ما عند صاحبنا من مطاعن على الإسلام, فجعلتهن هباء منثورا. وكان ذلك-لذلك- علي سهلا ميسورا. وقد أجبته بأجوبة أخرى ما عثرت عليها لأحد غيري. وكانت أحاديثنا هذه في كل يوم صباح مساء, وكانت عامة غير خاصة يحضرها كثير من قرنائه الشبان الجزائريين. وما هي إلا بضعة أيام حتى خلع صاحبنا "عمار" قبعته من على رأسه ولبس طربوشا, ثم مضى تواً إلى الكاثوليك الذين كان في مدرستهم بين حجورهم, وقال لهم: "جئت لأخبركم بأني تركت دينكم, وما تعبدون من دون الله, واتبعت ملة آبائي المسلمين. فمنذ اليوم أصبحت مسلما لي ما للمسلمين, وعلي ما عليهم, وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ... ".وكانت أحاديثنا هذه بذرة صالحة لمقالات ممتعة, وفصول قيمة بليغة كتبها صاحبنا (عمار ... ) ورفاقه الشبان باللغة الفرنسية في الدفاع عن الإسلام, وفي الرد على لوي بير تران وأندريه سرفييه, وهما من (كولون) الجزائر, ومن أشد أعداء الإسلام في العالم كله. ولكنهما لم يتقولا على الإسلام أكثر مما قرأناه للدكتور طه حسين وسلامه موسى وغيرهما من أدعياء التجديد في بلاد الشرق. غير أن هؤلاء الشبان قد استطاعوا بما عندهم من الحق والعلم وسحر البيان أن يقنعوا كثيراً من الفرنسيين ببطلان ما يدعيه أعداء الإسلام حتى أن أندريه سرفييه كف عن الكيد للإسلام, وهذأ عن المسلمين, بل أصبح يكتب ما هو بالانتصار للإسلام أشبه منه بالكيد له والافتراء عليه, وهو الذي كان منذ بضع سنوات سود صحائف (كتابا) بشتم محمد-صلى الله عليه وسلم- وبالافتراء على الإسلام. ولو أننا أسسنا في الجزائر معهداً إسلاميا يزود هؤلاء الشبان بالمعلومات الكافية, ويعرفهم بكل ما يجب أن يعرفوه عن الإسلام بأسلوب جميل, لكانوا نصروا الإسلام بأقلامهم, ولكتبوا عنه يومئذ ما فيه بلاغ مبين.

يتبع بإذن الله تعالى في الحلقة التالية بعنوان: " طلبة إفريقيا الشمالية " ...

ـ[عبد الحق آل أحمد]ــــــــ[12 - 09 - 08, 09:07 م]ـ

طلبة أفريقيا الشمالية

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير