في سنة1919 تأسست في عاصمة الجزائر جمعية إسلامية باسم (الجمعية الودادية لطلبة افريقية الشمالية) , والغرض منها إعانة الطلبة المسلمين الذين ما زالوا يتعلمون في الجامعات الفرنسية بالجزائر وفرنسا إعانة مادية وأدبية, أسسها شبان الجزائر المسلمون الذين حاولوا أن ينضموا إلى الجمعية الفرنسية التي أسسها قبل ذلك الشبان الفرنسيون, واشترطوا في قانونها الأساسي أن لا يدخلها عليهم طالب مسلم إلا أن يتفرنس, فكبر على شباننا أن يروا هذه الجمعية مباحة للطلبة الفرنسيين و الإسبان واليهود وغيرهم ومحرمة على المسلمين, فأيقظ هذا التعصب الأوربي حمية إسلامية في صدور شباب الجزائر المسلمة, فجعلوا لأنفسهم جمعية, كما لزملائهم جمعية, وقد أقبل الناس عليها إقبالا كثيرا, بعث فيها النشاط والحياة. وكان عدد الطلبة المسلمين قليلاً جداً في جامعة الجزائر, واليوم أصبح بفضل هذه الجمعية عدداً غير قليل ... وهو في كل يوم يزكو ويزيد.
واطلعت على قانون هذه الجمعية فإذا هو يحتفظ بما في الجزائر من قومية ودين, ويحتفظ بذلك احتفاظا شديدا.
فرجوت أنا لهذه الجمعية المباركة أن تكون مسلمة خالصة لاشية فيها, تربي شباب الجزائر, وتعلمهم الكتاب والحكمة, وتزكيهم وتنشر فيهم خلق القرآن الكريم. و رجوت لها بعد أن تبشر بالإسلام, وتدعو إلى سبيل المؤمنين.
وكان أكثر هؤلاء الشبان أصدقائي ومعارفي, فاجتمعت بكثير منهم, وفاوضتهم في هذا الأمر, واقترحت عليهم أن يتخذوا لجمعيتهم نادياً إسلاميا تلقى فيه المحاضرات عن الإسلام وعن عظماء الإسلام, باللغة العربية وبالفرنسية ...
وقمت فيهم بمحادثات كثيرة, وألقيت عليهم عدة محاضرات, حتى أقنعتهم بان اتخاذ هذا النادي الإسلامي أمر واجب على هذه الجمعية مفروض لا بد منه.
وكنا قررنا كل شيء, وعينوني محاضراً بالعربية, على أن تترجم محاضراتي كلها إلى الفرنسية. فاقترحت أنا عليهم أن يعينوا الأستاذ الشيخ عمر راسم محاضراً بالفرنسية, فانه رجل من أبر الناس بالإسلام, ومن أكثرهم علماً به, وأنا لست أعرف عن الإسلام أكثر مما يعرف الأستاذ راسم. وقد فسر الجزء الأول من القرآن الكريم تفسيراً إذا أنت قرأته عرفت أن العلم موهبة يهبها الله من يشاء من عباده, وهو يعد من قادة الفكر في الجزائر, جاهد في سبيل الجزائر المسلمة, وأوذي في الله, ودخل السجن, ولبث فيه سبع سنين. وهو أول رجل في الجزائر (فيما نعلم) حارب التفرنج والإلحاد بما كتبه بلغة القرآن, وبلغه الفرنسيس. فاستبشروا بهذا الاقتراح وكاديتم كل شيء, ولكن الأشياء مرهونة بأوقاتها, فسافر من الجزائر بعض من كان الأمل معقوداً بهم في نجاح هذا المشروع, وسافرت أنا أيضا من غير أن أحادث الأستاذ الشيخ عمر راسم في هذا الموضوع.
وقد كاتبني اليوم بعض أولئك الأصدقاء في هذا الشأن, وطلب إلي (بعد ما انتهى من الطلب والدراسة إلى الحياة العملية) أن أعيد عليه تلك المحادثات. وراجعني فيها وألح في المراجعة, حتى ذكرني بأكثرها من بعد ما نسيت.
وفي الحق أن هذه المحادثات كانت كلها نقضا وتزييفاً لما في أيدي أعداء الإسلام من مطاعن ومفتريات حتى استطاعوا أن يخدعوا بها كثيراً من شباب الجزائر عن دينه الحق, لأنهم كانوا يلبسون على أبنائنا الحق بالباطل, ويخرجون لهم الكذب الجبريت في صورة الواقع الذي لا ريب فيه, ويزعمون أن ما ينتهون إليه إنما هو ثمرة البحث العلمي الذي لا يتعصب ولا يحابي! وأهم هذه المطاعن والمفتريات جاء في محاضرة حاضرنا بها احد هؤلاء الشبان المغرورين في بهو من أبهاء الجزائر التي أعدت للاجتماعات والمحاضرات.
وخلاصة محادثاتي أنها جاءت في المحاضرة التي حاضرتهم بها جوابا عن محاضرة ذلك الشاب المغرور في تلك الليلة وفي التي تليها.
¥